كانت آمال الجماهير السعودية عالية بمشاركة منتخبنا في كأس العرب 2025 في قطر، خاصة أن البطولة كانت محطة مهمة قبل الاستحقاق العالمي الكبير، إلا أن مسار "الأخضر" انتهى بخيبة أمل كبيرة بخسارته أمام الأردن في نصف النهائي بهدف نظيف، وإقصائه من منافسات اللقب. هذا الإخفاق، أمام نظير عربي استطاع تحقيق إنجاز تاريخي بتأهله لأول نهائي في تاريخه، ليس مجرد نتيجة عابرة، بل هو مؤشر على أزمة عميقة تتطلب وقفة جادة ومساءلة حقيقية تبدأ من قيادة اتحاد كرة القدم السعودي. لم يكن مستوى المنتخب السعودي في البطولة مقنعًا أو متصاعدًا، بل كان أداؤه يعاني من التذبذب وغياب الهوية الواضحة منذ بداية المشوار: فعلى الرغم من تصنيفه كأحد المرشحين الأوائل للقب، غابت "شخصية البطل" عن الفريق، كما وصفته بعض التحليلات. واجه الفريق صعوبات في فرض سيطرة واضحة حتى أمام الفرق التي كان يُفترض أن يتغلب عليها بسهولة نسبية. ففي دور المجموعات، انتصر على عُمان بصعوبة (2-1) وتغلب على جزر القمر، لكنه سقط أمام المغرب بهدف نظيف. وفي ربع النهائي، عانى المنتخب بشدة ليتخطى منتخب فلسطين في الوقت الإضافي (2-1). اما في نصف النهائي، قدم المنتخب السعودي أداءً باهتاً وخاليا من الروح القتالية أمام الأردن، لينهي مشواره بهزيمة (1-0) سجلها نزار الرشدان. لا يمكن فصل هذا الإخفاق عن سوء التخطيط والإدارة، حيث تظهر المسؤولية على مستويين: 1. قيادة الاتحاد: غياب الرؤية والمساءلة يترأس ياسر المسحل اتحاد الكرة السعودي منذ يونيو 2019، وتم تجديد ولايته حتى 2027، في ظل هذه القيادة طويلة الأمد، يطرح الإخفاق المستمر أسئلة كبيرة: * غياب التخطيط الاستراتيجي: على الرغم من الميزانيات الضخمة والإمكانات المتاحة، لم يتم بناء مشروع كروي متكامل ينتج جيلاً متجانساً أو هوية لعب واضحة. * ثقافة الأعذار: كما تنبأ الجميع، لجأ الاتحاد بعد الخسارة إلى "الاعتذار إلى الشعب مع تجديد الثقة" في المدرب، مستخدماً "الظلم التحكيمي" كشماعة. هذا النمط المتكرر يغيب ثقافة المساءلة. وتحت قيادة المدرب الفرنسي هيرفي رينارد، ظهرت عدة إشكاليات: * العقلية السلبية: حيث إن عقليته "تأقلمت على أن المجموعة التي في يده غير مفيدة"، وهو ما ينعكس سلباً على تعامله مع الفريق. * الاعتماد على "الشماعة": أصبحت شكوى رينارد الدائمة من قلة دقائق مشاركة اللاعبين المحليين في دوري المحترفين السعودي مبرراً متوقعاً لأي إخفاق، حتى مع وجود لاعبين أساسيين يشاركون بانتظام مع أنديتهم. * غياب الحلول: فشل رينارد في تطوير حلول تكتيكية تعوض نقاط ضعف الفريق أو تستثمر نقاط قوته بشكل فعال خلال البطولة. إن استمرار قيادات الاتحاد التي أوصلت المنتخب إلى هذا الوضع هو قرار غير مسؤول. ما نحتاجه اليوم هو جرأة في التغيير تبدأ من القمة، وأحد الحلول المقترحة يتمثل في تعيين قيادة جديدة من داخل الخبرة الكروية الميدانية. تعيين لاعب سابق متمرس في منصب رئيس الاتحاد يمكن أن يحقق نقلة نوعية للأسباب التالية: 1. فهم عميق للعبة: اللاعب السابق الذي خاض غمار المنافسات يعرف بالضبط متطلبات اللاعب النفسية والفنية والبدنية، ويدرك طبيعة الضغوط داخل الملعب وخارجه. 2. مصداقية وجسور من الثقة: مثل هذه الشخصية ستتمتع بمصداقية كبيرة لدى الجماهير واللاعبين على حد سواء، مما يمكنه من بناء جسور ثقة ووضع خطط تطويرية واقعية. 3. أولويات واضحة: من المرجح أن يضع مثل هذه القيادة تطوير اللاعب السعودي وتوفير فرص اللعب له في مقدمة أولوياته، بدلاً من المعاذير، وسيعمل على معالجة المعضلة الحقيقية التي أشار إليها رينارد نفسه، ولكن بشكل عملي. 4. استعادة الروح: يمكن لشخصية كروية ملهمة أن تساعد في استعادة الروح القتالية والهوية الجماعية للمنتخب، التي افتقدها بشكل واضح خلال البطولة. إن خسارة المنتخب السعودي في نصف نهائي كأس العرب 2025 ليست مجرد خسارة مباراة. إنها نتيجة منطقية لمسار من سوء الإدارة وغياب الرؤية والتخطيط. إن الاستمرار في نفس النهج مع نفس الأشخاص، وتقديم الأعذار نفسها، هو ضرب من الانتحار الكروي في لحظة تاريخية حساسة تسبق كأس العالم 2026. الوقت الآن ليس وقت استمرار الاتحاد ، بل وقت المساءلة والمسؤولية. إن تقديم قيادة اتحاد الكرة، برئاسة ياسر المسحل، لاستقالاتها هو خطوة شجاعة وضرورية لطي صفحة الفشل هذه وفتح باب الأمل. وقد يكون تعيين قيادة تنحدر من قلب الميدان الكروي، وتفهم لغته وتحدياته، هو البداية الحقيقية لإعادة بناء منتخب يعكس طموح شعب يحب كرة القدم ويسعى لرؤية أبنائه في مكانتهم اللائقة بين الكبار. الجماهير التي خيبت آمالها تستحق أكثر من اعتذار، تستحق خطة عمل منظمة ومحكمة تبدأ بتغيير قيادة الاتحاد. د. طلال الحربي