الرموز والأساطير الكروية تصنع الأبطال القدوة ليست قصة إعلامية بل محفز بنيوي ونفسي ينعكس على الأرقام والنتائج تحويل التأثير إلى نتائج ملموسة يتطلب تكاملًا بين الرمز والمؤسسة القرب الثقافي بين القدوة والناشئ عامل حاسم في تعظيم هذا الأثر في التجارب الرياضية الكبرى ، ولا تنمو بمعزل عن سياق إنساني واجتماعي أوسع ففي كرة القدم تحديدًا والتي توصف بكونها اللعبة الأكثر انتشارًا وتأثيرًا حول العالم يولد الأبطال ليس فقط عبر التدريب والموهبة بل كذلك عبر الذين سبقوهم ومهدوا الطريق أمامهم، ففي اللحظة التي يرى فيها طفل أو شاب لاعبًا يشبهه ثقافيًا يتحدث لغته ويمر بتحديات قريبة من واقعه، تتحول الفكرة المجردة للنجاح إلى إمكانية ملموسة ومن هنا تبدأ قصة القدوة ليس بوصفها عنصرًا عاطفيًا بل كعامل نفسي وتربوي له أثر قابل للقياس في صناعة الأجيال الرياضية الجديدة. علم النفس الرياضي تناول هذا المفهوم مبكرًا ألبرت باندورا أحد أبرز علماء النفس في القرن العشرين قدّم في نظريته المعروفة بنظرية التعلم الاجتماعي تفسيرًا علميًا لدور النمذجة في تشكيل السلوك الإنساني باندورا يؤكد في دراساته أن الأفراد يتعلمون عبر ملاحظة سلوك الآخرين خصوصًا حين يكون هذا الآخر ناجحًا ومشابهًا لهم في الخلفية أو البيئة، وفي السياق الرياضي ترجمت هذه النظرية إلى نتائج عملية حيث أن اللاعب الناشئ الذي يتخذ نجمًا رياضيًا قدوة يطوّر مستوى أعلى من الكفاءة الذاتية والالتزام لأن إيمانه بقدرته على النجاح هو العنصر الحاسم في معادلة الاستمرارية وتحمل التحديات والضغوط والمنافسة. وجود القدوة يزيد من التزام اللاعبين هذه الفكرة لم تبق حبيسة النظريات فهناك دراسة منشورة في المكتبة الوطنية الأمريكية للطب حول تأثير القدوات الرياضية على المراهقين أظهرت أن اللاعبين الشباب الذين يمتلكون قدوة واضحة في رياضتهم يسجلون مستويات أعلى من الالتزام بالتدريب واستعدادًا نفسيًا أفضل للمنافسات مقارنة بأقرانهم الذين يفتقرون إلى هذا النموذج والقدوة، وبمجرد معرفة أن وجود القدوة في حياة اللاعب تزيد من التزامه واصراره ينعكس هذا الامر على استمراريته بممارسة هذه الرياضة وعدم الانسحاب مبكرًا خصوصًا وأن مشكلة الانسحاب المبكر تعتبر من المشاكل التي تعاني منها العديد من الدول في مراحل المراهقة المتوسطة. على المستوى المؤسسي تؤكد تقارير الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا الخاصة بتطوير المواهب أن الدول التي تملك رموزًا وطنية بارزة في منتخباتها الأولى تشهد ارتفاعًا في معدلات تسجيل اللاعبين الصغار في الأكاديميات المعتمدة وهذه العلاقة لا تُفسَّر فقط بالنجاح الرياضي بل بالقدرة على خلق حلم واقعي وطموح يمكن للشاب أن يتخيله ويسعى إليه، تقرير الفيفا الصادر عام 2022 أشار إلى أن القرب الثقافي بين القدوة والناشئ عامل حاسم في تعظيم هذا الأثر، ما يفسر لماذا يكون تأثير اللاعب المحلي أعمق من تأثير نجم عالمي بعيد جغرافيًا وثقافيًا. تجارب عالمية التجارب العالمية تعزز هذا الفهم ففي إسبانيا كثيرًا ما يُشار إلى جيل ما بعد تشافي وإنييستا بوصفه نتيجة مباشرة لتأثير لاعبين شكّلوا نموذجًا ذهنيًا لأطفال "لاماسيا"، وفق دراسات تحليلية نشرتها جامعة برشلونة المستقلة حول تطوير اللاعبين، كما أن في كرواتيا يربط باحثون في معهد زغرب لعلوم الرياضة بين بروز لوكا مودريتش وتأهل منتخب كرواتيا المتكرر إلى الأدوار النهائية لكأس العالم، وبين طفرة الالتحاق بأكاديميات كرة القدم بعد عام 2018 هذه التجارب تشير بوضوح إلى أن القدوة ليست مجرد قصة إعلامية، بل محفزًا بنيويًا ونفسيًا ينعكس على الأرقام والنتائج فوق أرض الواقع. واقعنا المحلي ضمن هذا الإطار يبرز اللاعب سالم الدوسري بوصفه حالة سعودية مكتملة الأركان للقدوة الرياضية فمسيرته مع نادي الهلال الذي يعد أحد أكثر الأندية الآسيوية تحقيقًا للبطولات تُظهر استمرارية نادرة في الأداء على أعلى المستويات المحلية والقارية فبالرغم من التغيرات المستمرة والكبيرة التي تشهدها الكرة السعودية في السنوات الأخيرة، في جانب الفضاء المفتوح للاحتراف وعدد اللاعبين الأجانب المسموح بتسجيلهم في بطولة الدوري لا يزال سالم الدوسري مستمرًا بإثبات نفسه كركيزة أساسية في الهلال والكرة السعودية مؤكدًا بأن اللاعب المحلي قادر على منافسة الأسماء العالمية متى ما حضرت الجدية والانضباط في عقلية اللاعب المحلي، بجانب الاستمرارية التي ندر وجودها في مسيرة أغلب اللاعبين السعوديين ارتبط اسم سالم الدوسري بلحظات مفصلية في تاريخ الكرة السعودية خصوصًا على الصعيد الدولي مع المنتخب الوطني في البطولات الكبرى أبرزها هدفه التاريخي في شباك الأرجنتين خلال كأس العالم 2022 بقطر الذي منح المنتخب السعودي فوزًا مفاجئًا أمام بطل العالم وكان حديث العالم حتى بعد انتهاء المونديال بفترة، وأداؤه القيادي في كأس العالم 2018 بروسيا حيث سجل هدف الفوز على مصر في الجولة الأخيرة من دور المجموعات، أما على صعيد الأرقام والأولويات فيمتلك الدوسري ما يؤهله فعليًا ليكون قدوة وأسطورة يحتذى فيها من الأجيال الجديدة في الكرة السعودية، حيث يعتبر الدوسري أول لاعب في تاريخ السعودية يحقق جائزة أفضل لاعب آسيوي مرتين، كما أنه يعد أول لاعب سعودي يترشح لجائزة من الفيفا في حفل "The Best"، بجانب ذلك هو هدّاف اللاعبين العرب في كأس العالم للأندية بواقع 5 أهداف، كما أنه يعتبر هدّاف اللاعبين السعوديين في كأس العالم للمنتخبات بالتساوي مع أسطورة الهلال والمنتخب السعودي سامي الجابر ب 3 أهداف، كما أنه الهداف الثاني تاريخيًا لنادي الهلال، وكل هذه الأرقام والنجاحات العالمية لهذا النجم المحلي أسهمت في نقل صورته من لاعب محلي ناجح إلى رمز وطني قادر على تمثيل الطموح السعودي في المحافل العالمية ومن منظور علم النفس الرياضي يعتبر هذا التحول الرمزي بالغ الأهمية لأنه يضع اللاعب في موقع النموذج الممكن لا الاستثناء البعيد، والأثر المتوقع لمثل هذه القدوة يمكن قراءته عبر آليات واضحة فالطفل الذي يشاهد سالم الدوسري وهو ينجح داخل بيئة محلية مشابهة لبيئته يتبنى لا شعوريًا سلوكياته التي تتمثل بالالتزام والصبر والعمل على تطوير الذات، وتحويل هذا التأثير إلى نتائج ملموسة يتطلب تكاملًا بين الرمز وهو اللاعب والمؤسسة الاتحاد السعودي لكرة القدم عبر برامجه لتطوير الفئات السنية، حيث يملك اتحاد القدم فرصة حقيقية لتوظيف صورة سالم الدوسري ليس فقط إعلاميًا بل تربويًا عبر إدماج قصته المهنية في مناهج الأكاديميات وإشراكه في مبادرات توجيهية وهذا النهج يتماشى مع مبادرات اللجنة الأولمبية الدولية التي تُعزّز دور القدوات الرياضية في تنمية الشباب الرياضي من خلال برامج مثل "Athlete Role Models" وهي مبادرة تتيح للأبطال السابقين دعم وتوجيه الرياضيين الناشئين وتشجيعهم على تبني القيم الأولمبية والطموح الرياضي. سالم الدوسري ثاني هدافي الهلال الدوسري أمام أحد جوائزه وليد الحربي - الرياض