القضية ليست «من نلوم؟» بل «كيف نمنع تكرار الأزمة؟».. والحل يبدأ بمن يملك مفاتيح تغيير الآليات، لا بمن يكتفي بتغيير العناوين.. ولأجل ذلك تتحول الفكرة إلى حزمة حلول عملية لا تُقاس بالنوايا بل بالأثر.. إشكالية منتخبٍ لا يترجم الدعم إلى إنجازات ليست غموضًا في النتائج بقدر ما هي خللٌ في تشغيل المنظومة ووعي الآليات. فالمشكلة لا تُقاس ب»كم قُدِّم» بل ب»كيف أُدير» ما قُدِّم، وكيف تحوّل من موارد إلى أثر داخل الملعب. ومن هنا قاعدة حاسمة: لا يُطلب الحل ممن كان جزءًا من سبب المشكلة؛ لأن العلاج ليس تبديلًا شكليًا، بل بناءٌ منهجي يبدأ بتشخيصٍ صادق، ثم قراراتٍ قابلة للاختبار والقياس. والسؤال الفاصل: إذا تغيّر المدرب، هل سيتغير الأثر بالأدوات نفسها؟ وإن تبدلت العناصر، هل يولد إنجازٌ تلقائي؟ تبديل الواجهة دون إعادة هندسة المنظومة يعني تدوير المشكلة بأسماء جديدة. فالمدرب ليس عصًا سحرية، واللاعبون ليسوا آلةً بلا سياق، والبيئة المحيطة قد ترفع الأداء أو تخنقه. وعندما يغيب «فقه الآليات» يصبح العلاج ردّة فعل: إقالة وضجيج ثم عودة للنقطة نفسها. المسؤولية هنا متعددة الأطراف دون تمييع: رئيس الاتحاد: حوكمة المسار، حماية المشروع الفني من المزاجية، وتثبيت مؤشرات قياس تُقاس بالتحسن والاستقرار والتدرج. المدرب: تحويل الإمكانات إلى هوية لعب، عدالة الاختيار، انسجام تكتيكي، وإدارة ضغط المباريات. اللاعبون: انضباط وجاهزية ذهنية وبدنية، احترام التحضير، والالتزام بالدور داخل الخطة. الإعلام: تهذيب الخطاب، تقليل التوتر، والتمييز بين النقد المهني والضغط العبثي. الجمهور: دعم واعٍ يطالب بالشفافية والمعايير ويمنح الوقت حين يرى عملًا حقيقيًا. الخلاصة: القضية ليست «من نلوم؟» بل «كيف نمنع تكرار الأزمة؟». الحل يبدأ بمن يملك مفاتيح تغيير الآليات لا بمن يكتفي بتغيير العناوين. ولأجل ذلك تتحول الفكرة إلى حزمة حلول عملية لا تُقاس بالنوايا بل بالأثر.. حلول عملية تحدث التغيير: 1- تأسيس «مشروع منتخب» لا «فترة مدرب».. خطة ممتدة (سنتان إلى أربع) تُعرّف هوية اللعب واختيار العناصر وتدرّج البناء، مع حماية الخطة والعناصر من التدخلات والتداخلات. المدرب جزء من المشروع؛ يُختار لأنه الأنسب للهوية لا لأنه الاسم الأبرز. 2- حوكمة القرار الفني وحمايته من الارتجال والتدخلات.. لجنة فنية مستقلة محدودة العدد والكفاءة مرجع دائم لقرارات المنتخب. فصل القرار الفني عن ضغوط اللحظة: لا إقالات انفعالية ولا تغييرات بسبب موجة رأي عام. ومنع أي تدخلات في العمل. 3- «مؤشرات أداء» واضحة بدل محاكمات النتائج فقط.. قياس التحسن عبر مؤشرات قابلة للرصد: جودة الفرص المصنوعة، التنظيم الدفاعي، الاسترجاع، الانضباط التكتيكي، الاستقرار في التشكيلة، وأداء الشوطين تحت الضغط. ربط المكافآت والتقييم بهذه المؤشرات، لا بالشعارات. 4- انتقاء اللاعبين بمعيار «الدور» لا «الاسم».. بناء «ملفات لاعبين» لكل مركز (مقاييس بدنية، سلوكية، تكتيكية). اختيار وفق حاجة الخطة، مع وضوح الأدوار وحدودها، وإعلان معيار اختيار الأصلح لتخفيف الجدل. 5- برنامج جاهزية ذهنية وإدارة ضغط.. فريق متخصص (إعداد نفسي/ ذهني) يرافق المنتخب طوال الموسم لا في البطولات فقط. تدريب على سيناريوهات: مباراة حسم/ نهائية، استقبال هدف، ضغط جماهيري، طرد، ضربة جزاء محتسبة، عدم استجابة الحكم لخطأ مؤثر، فريق مقفل، دقائق أخيرة، ركلات ترجيح، لعب ناقص.. إلخ. 6- تكامل مع الأندية لا صدام معها.. تنسيق الأحمال وجدول المعسكرات مبكرًا. بروتوكول طبي ولياقي موحد يضمن ألا يصل اللاعب مرهقًا أو غير جاهز. 7- بناء جاد لبنك مواهب وخط إمداد مستمر.. ربط المنتخبات السنية بمنهج لعب مناسب يشكّل هوية قدر الإمكان. مباريات دولية نوعية للناشئين والشباب لتقليل «صدمة المستوى» عند الانتقال للأول. 8- إدارة إعلامية تقلل التشويش وتزيد الشفافية.. متحدث فني واحد يشرح المنهج والمؤشرات دون كشف أسرار تكتيكية. تقارير دورية مختصرة: ماذا تحسن؟ ماذا لم يتحسن؟ ما الخطة القادمة؟ بدل ترك الفراغ للشائعات. آليات موجزة مفيدة لعلاج الإشكالية: 1- آلية التشخيص (4 أسئلة): ما المشكلة؟ أين تظهر؟ لماذا تتكرر؟ ما الدليل؟ فلا قرار بلا دليل أداء أو بيانات مباراة. 2- آلية القرار الفني: هوية لعب ثابتة + مدرب مناسب + لجنة فنية مستقلة + سقف زمني منطقي للتقييم. 3- آلية اختيار القائمة: معيار مكتوب لكل مركز + تقييم دوري + «لاعب للدور» قبل «لاعب للاسم». 4- آلية التقييم الشهري: لوحة مؤشرات (5–7) تُراجع بعد كل تجمع. 5- آلية إدارة الضغط: جلسات ذهنية أسبوعية + تدريبات سيناريوهات + بروتوكول ركلات الترجيح (إعداد/تكرار/اختيار). 6- آلية الانضباط: مدونة سلوك داخلية + جزاءات واضحة + عدالة بلا استثناءات. 7- آلية التكامل مع الأندية: تخطيط أحمال + تبادل تقارير طبية/بدنية + معسكرات بموعد ثابت معروف مسبقًا. 8- آلية التواصل مع الجمهور والإعلام: إعلان المنهج ومؤشرات التقييم + تقارير موجزة + خطاب واحد يقلل الصخب. وبهذه الآليات بعون الله يتحول السؤال من «من نُغيّر؟» إلى «كيف نُشغّل المنظومة؟».. عندها يصبح تغيير المدرب أو أي عنصر قرارًا داخل مشروعٍ واضح، لا إرضاءً للحظة، ويغدو الإنجاز نتيجة مسارٍ محسوب يُبنى ويُراجع ويُصحَّح.