في رحيل الأديب أحمد أبو دهمان، لا نفقد كاتبًا فحسب، بل نخسر صوتًا أدبيًا حمل المكان والذاكرة والإنسان إلى فضاء السرد العالمي بهدوء العارف وصدق المنتمي. كان أبو دهمان ابن القرية الجنوبية، الذي لم يغادر جذوره رغم ابتعاده الجغرافي. حمل قريته معه أينما ذهب، وجعل منها عالمًا إنسانيًا مفتوحًا على الأسئلة الكبرى: الهوية، الذاكرة، التحول، والحنين. في كتاباته، لم تكن القرية مجرد مكان، بل كائن حيّ يتنفس، يتألم، ويفرح، ويقاوم النسيان. امتازت تجربته الأدبية بلغة شفيفة، تجمع بين بساطة الحكاية وعمق الدلالة، وتوازن نادر بين الشعر والسرد. كان يكتب كما لو أنه يستعيد ما يخشى عليه من الضياع، وكأن كل نص محاولة أخيرة لإنقاذ زمن جميل من الغرق في صخب الحداثة. لم يلجأ إلى المبالغة أو الاستعراض اللغوي، بل آمن بأن الصدق هو أعلى درجات الجمال. وما ميّز أحمد أبو دهمان أيضًا حضوره الإنساني الهادئ؛ لم يكن صاخبًا في المشهد الثقافي، لكنه كان عميق الأثر. وصل بأدبه إلى القارئ العربي والعالمي، مؤكدًا أن الحكاية المحلية الصادقة قادرة على عبور الحدود واللغات، وأن الأدب حين ينطلق من الجذور يصل إلى الإنسانية جمعاء. برحيله، يترجل كاتب ترك أثره دون ضجيج، وزرع اسمه في ذاكرة الأدب لا بالكمّ، بل بالنوع. سيظل أحمد أبو دهمان حاضرًا في كتبه، وفي تلك القرى التي كتبها كي لا تموت، وفي قرّاء وجدوا في نصوصه مرآة لحنينهم وأسئلتهم. رحم الله أحمد أبو دهمان، وجعل ما كتبه حياةً أخرى لا تعرف الرحيل. الراحل أحمد أبو دهمان -رحمه الله-