في ليلة العمر، لم يعد التركيز على «العمر» نفسه، بل على تفاصيل الليلة، تغيّر شكل الأعراس في المجتمع السعودي خلال الأعوام الأخيرة بشكل لافت؛ فالزفاف أصبح اليوم ساحة تتنافس فيها العائلات على من يمتلك أكبر عدد من «الأركان» وأكثرها غرابة. ركن للعطور تُخلط فيه الروائح الفاخرة حسب الطلب، وآخر للرسم الفوري تخرج منه بورتريهات تحمل ملامح الضيوف قبل أن تبرد القهوة في الركن المجاور، ثم يختتم المشهد عند بوابة الهدايا، حيث يغادر الحضور محمّلين بتذكارات تحمل شعار المناسبة وكأنها نتاج فعالية تجارية لا مناسبة اجتماعية. المشهد بات أقرب إلى «مهرجان فعاليات» متكامل، لا احتفال يجمع عائلتين على الفرح، الضيوف يتنقلون بين المحطات مثل زوار معرض، بينما تتوارى العروس أحيانًا وسط ازدحام المصورين ومنسّقي الأركان ومتابعي جدول الفعاليات. هذه الظاهرة لم تظهر من باب الاحتياج الاجتماعي، بل نشأت من رغبة في التميّز ثم تحولت تدريجيًا إلى مباهاة. كثير من العائلات اليوم تضيف ركنًا جديدًا فقط لأن «الآخرين فعلوا ذلك»، ولأن غيابه قد يُفسّر بأنه تقليل من قيمة الحفل أو مستوى أصحابه، وهنا يتقدّم خوف الأحكام الاجتماعية على أولويات الفرح نفسه، وراء كل ركن يلمع في القاعة، فاتورة ثقيلة تُرهق جهة ما من العائلتين، وهكذا يتحول الزفاف إلى مشروع اقتصادي معقد يستهلك المدّخرات وربما يقود إلى قروض تُسدد لسنوات، معايير الفخامة المتضخمة هذه ترفع سقف توقعات المقبلين على الزواج، وتجعل بداية تحول طبيعي في الحياة أشبه بعقبة مادية ونفسية. لكن وسط هذا الاندفاع، ترتفع اليوم أصوات شابة تتساءل: ماذا يبقى في الذاكرة بعد انقضاء الليلة؟ أي عطر قادر على أن يعوّض لحظة احتضان أمّ لابنتها قبل دخول القاعة؟ وأي ركن تصوير يُخلّد ضحكة صديقة جاءت لتشارك دون مقارنة؟ التطور في الذوق مطلوب، ولا بأس بالتفاصيل الجميلة التي تمنح المناسبة طابعًا شخصيًا، لكن المشكلة تبدأ حين تتصدّر التفاصيل المشهد وتختفي الفكرة الأساسية: الزواج رحلة طويلة، والحفل مجرد أول خطوة فيها.