ارتفاع سعر الذهب الى 4501.44 دولار للأوقية    برعاية أمير منطقة جازان.. مهرجان جازان 2026 يستهل مشواره بانطلاقة كرنفالية كبرى    البحرين تعرب عن دعمها للجهود الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن    120 صقارًا يدشنون أشواط نخبة المحليين في انطلاق مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    روسيا تنفي التقارير حول عزمها تعديل الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا    الرئيس التركي يلتقي رئيس مجلس السيادة السوداني    ترسيخ ثقافة العطاء والانتماء    اتحاد الغرف السعودية يكرم السلامة    «بيئة مكة» تمكّن الأطفال من الابتكار التطوعي البيئي عبر هاكاثون «غراس» الأول    آل الشيخ: جائزة طارق القصبي نموذج وطني لدعم البحث والابتكار في الهندسة المدنية    المطر والحنين    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    واشنطن مُهددة في سباق الذكاء الاصطناعي    نيوم يتغلب على النجمة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الاتفاق يكسب الرياض بثنائية في دوري روشن للمحترفين    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كجم "قات"    الهلال يختتم التحضيرات لمواجهة الخليج    من البحث إلى التسويق الجامعات في فخ التصنيفات العالمي    الفصحى: جمع شمل    رومانو : ريال مدريد غير مهتم بالتعاقد مع لاعب الهلال روبن نيفيز حاليًا    برعاية وزير التعليم جامعة أم القرى تفتتح ورشة "تبادل التجارب والممارسات المتميزة في كفاءة الإنفاق لمنظومة التعليم والتدريب"    جامعة أم القرى تستضيف اجتماع وكلاء الجامعات السعودية للشؤون الإدارية والمالية    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمسيرة العطاء مع مرضى التصلب المتعدد    نائب أمير جازان يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"        الأمير بندر بن خالد الفيصل: مهرجان كؤوس الملوك والأمراء يحظى بدعم واهتمام القيادة    مركز الحياة الفطرية يطلق 61 كائناً فطرياً بمحمية الملك خالد الملكية    الشؤون الإسلامية في جازان تُقيم ورشة عمل لتأهيل المراقبات بمساجد محافظة أبو عريش    ‏نائب أمير منطقة جازان يستقبل نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين    مدير عام فرع الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد جوامع ومساجد العيدابي ويفتتح مسجد النور    د. مريم الدغيم تحصل على براءة الاختراع الأمريكية    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 32.3% في أكتوبر 2025    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى فيتنام    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    تكريم الجمعيات المتميزة وقادة العمل التطوعي في جازان خلال حفل مركز التنمية الاجتماعية    جولة ميدانية للوقوف على جاهزية الواجهة البحرية بقوز الجعافرة استعدادًا لانطلاق المهرجان الشتوي    السعودية: تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة تمت دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    ارتفاع النفط والذهب    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    في دوري أبطال آسيا 2.. النصر يدك شباك الزوراء العراقي بخماسية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. تقليد نهيان بن سيف وشاح الملك عبدالعزيز    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    صندوق الطائرة الأسود قرب أنقرة.. تركيا تعلن العثور على جثة رئيس الأركان الليبي    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    المملكة في صدارة الدول بالترفيه الرقمي ب34 مليون مستخدم    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    «الجوازات» تصدر 17.767 قراراً إدارياً بحق مخالفين    استدعاء 40 شخصاً نشروا «محتوى يثير التأجيج»    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    الشباب يعلن غياب مهاجمه عبدالرزاق حمد الله لقرابة شهرين    مرحوم لا محروم    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرص المستقبل
نشر في الرياض يوم 18 - 12 - 2025


جاهزية المدن السعودية لمواجهة التحديات
في عالمٍ يتغيّر بوتيرة متسارعة، لم يعد التعليم محطة زمنية تنتهي بالحصول على شهادة، بل أصبح مسارًا ممتدًا يرافق الإنسان طوال حياته، ويتجدّد بتجدّد التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية.
ومع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، برز مفهوم مدن التعلّم كأحد أكثر النماذج التنموية حداثة، حيث تتحوّل المدينة من فضاء عمراني تقليدي إلى منظومة معرفية متكاملة، توظّف مواردها التعليمية والثقافية والاقتصادية لخدمة التعلّم مدى الحياة، وتعزيز قدرات الإنسان، بوصفه محور التنمية وأساسها، وانطلاقًا من هذا المفهوم، لم تعد مدن التعلّم ترفًا فكريًا أو خيارًا إضافيًا ضمن سياسات التنمية، بل ضرورة تفرضها متطلبات العصر، وتؤكدها التجارب الدولية الناجحة، لا سيما في ظل التغيرات المتسارعة في سوق العمل، واتساع فجوة المهارات، وارتفاع الطلب على الكفاءات القادرة على التكيّف والابتكار.
فالتعليم اليوم لم يعد حكرًا على المؤسسات الأكاديمية، بل أصبح مسؤولية مشتركة تتكامل فيها المدارس والجامعات، مع المراكز التدريبية، وأماكن العمل، والمؤسسات الثقافية، والمنصات الرقمية، في إطار مدينة تتعلّم باستمرار، وفي السياق السعودي، يكتسب مفهوم مدن التعلّم أهمية مضاعفة، كونه يتقاطع بشكل مباشر مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي جعلت من تنمية الإنسان وبناء القدرات الوطنية أولوية استراتيجية.
بناء مجتمع معرفي منافس
فالرؤية لا تنظر إلى التعليم بوصفه مخرجًا أكاديميًا فقط، بل كأداة فاعلة لتمكين المجتمع، وتعزيز المشاركة الاقتصادية، ورفع جودة الحياة، وبناء مجتمع معرفي منافس على المستويين الإقليمي والدولي، وتبرز المرأة السعودية في قلب هذا التحوّل، باعتبارها شريكًا أساسيًا في مسيرة التنمية، ومحورًا رئيسيًا في نجاح تجربة مدن التعلّم. إذ أتاحت هذه المدن فرصًا واسعة للنساء للوصول إلى التعليم والتدريب في مختلف المجالات، سواء عبر التعليم النظامي أو غير النظامي، وبرامج التأهيل المهني، والتعلّم الرقمي، وريادة الأعمال، بما يتجاوز القيود التقليدية للزمان والمكان.
وأسهم ذلك في توسيع دائرة المشاركة النسائية في سوق العمل، وتعزيز حضورها في القطاعات الاقتصادية الجديدة، والصناعات الإبداعية، والمجالات التقنية والمعرفية، ولا يقتصر أثر مدن التعلّم على التمكين الفردي فحسب، بل يمتد ليشمل الأثر الاجتماعي والثقافي الأوسع، حيث تسهم المرأة المتعلّمة في بناء أسرة أكثر وعيًا، ومجتمع أكثر انفتاحًا، وقدرة أكبر على تبنّي قيم التعلّم المستمر، والمشاركة المجتمعية، والابتكار. ومن هنا، تتجاوز تجربة مدن التعلّم كونها مبادرة تعليمية، لتتحوّل إلى مشروع تنموي شامل، يعيد تعريف العلاقة بين المدينة وسكانها، ويضع الإنسان رجلًا وامرأة في صدارة أولويات التنمية المستدامة.
المرأة في قلب مدن التعلّم
أحدثت مدن التعلّم تحولًا نوعيًا في مفهوم وصول المرأة السعودية إلى التعليم والتدريب، إذ لم تعد الفرص التعليمية محصورة في المسارات التقليدية أو مرتبطة بمرحلة عمرية محددة، بل أصبحت متاحة عبر منظومة متكاملة تفتح آفاق التعلّم مدى الحياة. هذا التحول أسهم في تمكين النساء من تطوير معارفهن ومهاراتهن بما يتواءم مع متطلبات العصر، ويعزّز حضورهن في مختلف المجالات التنموية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وقد وفّرت مدن التعلّم بيئات مرنة للتعليم والتأهيل، تراعي خصوصية المرأة وتنوّع أدوارها، من خلال برامج تدريبية متخصصة، ومنصات تعليم رقمية، ومبادرات مجتمعية تُقدَّم داخل الأحياء والمراكز الثقافية، بما يسهّل الوصول إلى المعرفة دون عوائق جغرافية أو زمنية. وأسهم هذا التنوّع في تمكين شرائح واسعة من النساء، سواء الطالبات، أو الموظفات، أو ربات البيوت، من الالتحاق بفرص تعليمية تتناسب مع احتياجاتهن وطموحاتهن، ولم يقتصر دور مدن التعلّم على رفع المستوى المعرفي للمرأة، بل امتد ليشمل بناء المهارات العملية المرتبطة بسوق العمل المتغيّر. فقد ركّزت هذه المدن على برامج التدريب المهني، والمهارات الرقمية، وريادة الأعمال، والصناعات الإبداعية، ما أتاح للمرأة السعودية فرصًا حقيقية للاندماج في الاقتصاد المحلي، والمشاركة في القطاعات الجديدة التي تعتمد على الابتكار والمعرفة. ونتيجة لذلك، تحوّلت المرأة من مستهلكة للمعرفة إلى منتجة لها، ومن باحثة عن فرصة إلى شريك فاعل في التنمية، كما أسهمت مدن التعلّم في تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها من تحويل مهاراتها إلى فرص عمل مستدامة. وأصبح التعليم في هذا السياق أداة عملية لتمكين المرأة ماليًا، ووسيلة لتعزيز ثقتها بذاتها، وقدرتها على اتخاذ القرار، والمشاركة في بناء مستقبلها ومستقبل مجتمعها، وعلى الصعيد الاجتماعي، أحدث تعلّم المرأة أثرًا مضاعفًا داخل الأسرة والمجتمع، إذ انعكس ارتفاع وعيها ومعرفتها على أساليب التربية، ونشر ثقافة التعلّم المستمر، وتعزيز القيم الإيجابية، والمشاركة المجتمعية. فالمرأة المتعلّمة في مدن التعلّم لا تكتفي بتطوير ذاتها، بل تسهم في نقل المعرفة، وتحفيز من حولها، لتصبح عنصرًا فاعلًا في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا، وتؤكد هذه التجربة أن مدن التعلّم لم تكن مجرد منصات تعليمية للمرأة السعودية، بل فضاءات تمكين شاملة، أعادت صياغة دورها التنموي، وفتحت أمامها مسارات جديدة للمشاركة والإبداع، بما ينسجم مع التحولات الوطنية، ويعكس الرهان الحقيقي على الإنسان باعتباره الثروة الأهم في مسيرة التنمية المستدامة.
مدن التعلّم ضرورة تنموية
لم تعد مدن التعلّم خيارًا تكميليًا ضمن سياسات التنمية الحديثة، بل تحوّلت إلى ضرورة تفرضها التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، والتغير الجذري في طبيعة العمل والمعرفة. فالنماذج التنموية التقليدية، التي كانت تركز على البنية التحتية والمشاريع المادية، لم تعد كافية وحدها لضمان الاستدامة، ما لم تُدعَّم بالاستثمار في الإنسان، وقدرته على التعلّم المستمر، والتكيّف مع المتغيرات، وصناعة الحلول للمستقبل، وتأتي أهمية مدن التعلّم من قدرتها على دمج التعليم في النسيج اليومي للمدينة، بحيث يصبح التعلّم ممارسة حياتية لا تنفصل عن العمل أو الثقافة أو المجتمع. فالمدينة المتعلّمة توفّر بيئة تحفّز الابتكار، وتشجّع على اكتساب المهارات الجديدة، وتعيد تأهيل الأفراد لمواكبة التحولات التقنية والرقمية، بما يسهم في تقليص فجوة المهارات، ورفع جاهزية القوى العاملة، وتعزيز التنافسية الاقتصادية على المدى البعيد، وفي هذا السياق، تلعب مدن التعلّم دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال الربط بين التعليم، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وجودة الحياة. فإتاحة فرص التعلّم للجميع، دون استثناء، تسهم في الحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز التماسك المجتمعي، وبناء مجتمعات أكثر وعيًا وقدرة على المشاركة في صنع القرار. كما ينعكس ذلك على رفع مستوى الإنتاجية، وتحفيز ريادة الأعمال، ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة، أما على المستوى الوطني، فتتجلى تجربة مدن التعلّم في السعودية بوصفها امتدادًا طبيعيًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030، التي أكدت على بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. إذ تنسجم هذه التجربة مع برامج تنمية القدرات البشرية، وتطوير التعليم والتدريب، وتمكين الشباب والمرأة، بما يعزّز جاهزية المدن السعودية لمواجهة تحديات المستقبل، ويمنحها مرونة أكبر في التعامل مع التحولات العالمية، ولا يقتصر أثر مدن التعلّم على الحاضر، بل يمتد ليشكّل استثمارًا طويل الأمد في رأس المال البشري، حيث تُسهم في إعداد أجيال قادرة على التعلّم الذاتي، والتفكير النقدي، والابتكار، وهي مهارات لم تعد خيارًا، بل شرطًا أساسيًا للاستمرار في عالم شديد التنافسية. ومن هنا، تبرز مدن التعلّم كأحد أهم الرهانات التنموية، التي تعيد تعريف دور المدينة، وتضع الإنسان في صدارة الأولويات، باعتباره المحرك الحقيقي للتنمية الشاملة والمستدامة.
تكامل يصنع الأثر
لا يمكن لمدن التعلّم أن تحقق أهدافها التنموية بمعزل عن تكامل الجهود بين مختلف القطاعات، إذ تقوم فلسفتها الأساسية على الشراكة بوصفها ركيزة للاستدامة. فنجاح المدينة المتعلّمة لا يعتمد على جهة واحدة، بل هو نتاج تعاون منظم بين الجهات الحكومية، والمؤسسات التعليمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، في إطار رؤية مشتركة تجعل من التعلّم مسؤولية جماعية، وتضطلع الجهات الحكومية بدور محوري في تهيئة البيئة التنظيمية والتشريعية الداعمة لمدن التعلّم، من خلال تبنّي السياسات التي تعزّز التعلّم مدى الحياة، وتوفير البنية التحتية التعليمية والثقافية، ودعم المبادرات التي تستهدف تطوير المهارات وبناء القدرات البشرية. كما تسهم هذه الجهات في توجيه البرامج التعليمية بما يتوافق مع أولويات التنمية الوطنية واحتياجات المدن المحلية، في المقابل، يشكّل القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا في تحويل التعلّم إلى قيمة اقتصادية مضافة، عبر المساهمة في تصميم البرامج التدريبية، واحتضان المواهب، وتوفير فرص التدريب العملي، وربط مخرجات التعلّم بمتطلبات سوق العمل. ويساعد هذا التكامل في تقليص الفجوة بين التعليم والتوظيف، وتعزيز جاهزية المتعلّمين للانخراط في القطاعات الاقتصادية الواعدة، أما مؤسسات المجتمع المدني، فتؤدي دورًا تكميليًا لا يقل أهمية، من خلال المبادرات المجتمعية، والبرامج التطوعية، والمراكز الثقافية، التي تسهم في نشر ثقافة التعلّم، والوصول إلى الفئات الأقل حظًا، وتعزيز المشاركة المجتمعية. وتُعد هذه المؤسسات حلقة وصل فاعلة بين المدينة وسكانها، بما يضمن شمولية التجربة واتساع أثرها، ويعكس هذا التكامل نموذجًا تنمويًا حديثًا، تتداخل فيه الأدوار وتتوحّد فيه الأهداف، ليصبح التعلّم مشروعًا مجتمعيًا متكاملًا، لا يقتصر على التعليم النظامي، بل يمتد ليشمل كل فضاءات المدينة. ومن خلال هذا النهج التشاركي، تتحوّل مدن التعلّم إلى منصات مستدامة لبناء الإنسان، وتعزيز الابتكار، وتحقيق تنمية شاملة قادرة على مواكبة تحديات الحاضر وصناعة فرص المستقبل.
المواطن شريك في التعلّم
لم تعد التنمية في نماذجها الحديثة عملية تُدار من الأعلى إلى الأسفل، بل أصبحت مسارًا تشاركيًا يقوم على إشراك المواطن بوصفه عنصرًا فاعلًا في التخطيط والتنفيذ وصناعة الأثر. وفي هذا الإطار، تبرز مدن التعلّم كنموذج تنموي يعيد تعريف دور المواطن، من متلقٍ للخدمات التعليمية إلى شريك حقيقي في تصميم وتنفيذ المبادرات التعليمية، بما يعزّز إحساسه بالمسؤولية والانتماء، ويضمن استدامة هذه المبادرات وفاعليتها، وتسهم مشاركة المواطنين في المبادرات التعليمية في تحويل التعلّم إلى ممارسة مجتمعية حيّة، تنبع من احتياجات الواقع المحلي وتعكس خصوصية كل مدينة. فحين يشارك الأفراد بخبراتهم، ومهاراتهم، ومعارفهم المهنية في البرامج التعليمية والتدريبية، تتحول المدينة إلى مساحة تبادل معرفي مفتوحة، تُستثمر فيها الخبرات المتراكمة، ويُعاد توظيفها لخدمة الأجيال المختلفة. ويعزّز هذا النهج من جودة المحتوى التعليمي، ويجعله أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية ومتطلبات المجتمع، كما يفتح إشراك المواطنين في تنفيذ المبادرات التعليمية المجال أمام تعزيز ثقافة التطوّع، ونقل المعرفة بين الأجيال، حيث يصبح المتقاعدون، وأصحاب الحرف، وروّاد الأعمال، والمهنيون، جزءًا من منظومة التعلّم، يقدّمون خبراتهم، ويسهمون في إعداد جيل أكثر وعيًا وقدرة على الاستفادة من التجارب العملية. ويؤدي ذلك إلى بناء جسور تواصل بين فئات المجتمع المختلفة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، والشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه التنمية، وعلى المستوى التنموي، يعزّز هذا النموذج التشاركي كفاءة المبادرات التعليمية، ويزيد من فرص نجاحها، إذ يتيح للمواطنين الإسهام في تحديد الأولويات، واقتراح الحلول، وتقييم الأثر، بما يضمن مواءمة البرامج مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع المحلي. كما يسهم في رفع مستوى الثقة بين الأفراد والمؤسسات، ويعزّز الشفافية، ويشجّع على المشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية، وتؤكد تجربة مدن التعلّم أن الاستثمار الحقيقي لا يقتصر على البنية التحتية أو البرامج التعليمية، بل يمتد ليشمل بناء مواطن واعٍ، مشارك، ومسؤول، يرى في التعلّم أداة للتغيير، وفي المشاركة المجتمعية وسيلة لصناعة المستقبل. ومن خلال تعزيز دور المواطن كشريك في تنفيذ المبادرات التعليمية، تتحول التنمية من مشروع مؤسسي إلى ثقافة مجتمعية راسخة، تضمن استدامة التعلّم، وتعزّز قدرة المدن على مواكبة التحولات وبناء مستقبل أكثر شمولًا وازدهارًا.
المملكة توسّع شبكة مدن التعلّم
حققت المملكة العربية السعودية إنجازًا نوعيًا ومهمًا على صعيد التعليم والتنمية المستدامة، برفع عدد مدن التعلّم إلى ثماني مدن، في خطوة تؤكد التزام الدولة بتحويل التعليم إلى عامل تنموي محوري، وربطه بكافة جوانب حياة المجتمع. هذه الخطوة ليست مجرد إضافة رقمية على خارطة التعليم، بل تعكس استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى توسيع نطاق التعلّم مدى الحياة، وإتاحة الفرص التعليمية لكل فئات المجتمع، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويأتي هذا التوسع في مدن التعلّم ليشكل نموذجًا عمليًا للارتقاء بالقدرات البشرية، وتوفير بيئات تعليمية مبتكرة تدمج بين المعرفة التقليدية والتدريب العملي والمهارات الرقمية الحديثة. إذ تمنح هذه المدن المواطنين فرصًا واسعة لتطوير معارفهم ومهاراتهم، من خلال برامج تعليمية وتدريبية متنوعة تشمل المدارس، والجامعات، والمراكز الثقافية، والمبادرات الرقمية، بما يضمن أن تصبح المعرفة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لكل فرد، كما يعكس هذا الإنجاز الطموح رؤية المملكة في بناء مجتمع معرفي منافس عالميًا، حيث يصبح كل مدينة مساحة حيوية للتعلّم، والابتكار، وتبادل الخبرات، وتهيئة البيئة المناسبة لتنمية المهارات المطلوبة في سوق العمل الحديث. وللمرأة السعودية نصيب بارز من هذه المبادرات، إذ تتيح المدن الجديدة فرصًا أكبر للنساء للوصول إلى التعليم والتدريب في مختلف المجالات، بما يسهم في تعزيز مشاركتها الاقتصادية والاجتماعية وتمكينها كشريك فعال في التنمية الوطنية، وتشكّل زيادة عدد مدن التعلّم من 1 إلى 8 مدن مؤشرًا واضحًا على التزام المملكة بالتحول نحو مجتمع معرفي متكامل، حيث تتضافر الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان استدامة التجربة ونجاحها. ويبرز هذا الإنجاز النوعي كدليل على قدرة الدولة على ترجمة السياسات التعليمية إلى واقع ملموس، يوفر فرصًا حقيقية للتعلّم، ويعزز من جودة الحياة، ويجعل من التعليم أداة فاعلة لبناء الإنسان وتنمية المجتمع، وفي نهاية المطاف، يُعدّ هذا التوسع في مدن التعلّم خطوة استراتيجية تسهم في تعزيز تنافسية المملكة، وتمكين جميع فئات المجتمع، ورفع جاهزية المدن لمواجهة تحديات المستقبل، وتحويل المعرفة والمهارات إلى رافعة رئيسة للتنمية المستدامة، ما يجعل المملكة نموذجًا يحتذى به في المنطقة والعالم.
تؤكد تجربة المملكة في تطوير مدن التعلّم أن التعليم لم يعد مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل أصبح رافعة استراتيجية للتنمية المستدامة، ووسيلة لتمكين الإنسان، وخصوصًا المرأة، وإشراك المواطن في مسيرة التغيير. من خلال زيادة عدد مدن التعلّم إلى ثماني مدن، وفتح المجال للمرأة السعودية لتوسيع آفاقها التعليمية والمهنية، وإشراك المواطنين في تنفيذ المبادرات التعليمية، ترسّخ المملكة نموذجًا فريدًا يدمج بين التعليم والتنمية والمشاركة المجتمعية، لقد أظهرت مدن التعلّم أن الاستثمار الحقيقي في الإنسان ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية حتمية لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. فالمرأة السعودية، التي باتت محركًا رئيسيًا في هذه التجربة، لم تعد مستقبِلة للمعرفة فحسب، بل منتجة لها وموجّهة لها، وساهمت في نقل ثقافة التعلّم إلى أسرها ومجتمعها، لتعكس بذلك أثر التعلّم المستمر على جودة الحياة والبنية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، يُبرز إشراك المواطن كشريك في التنمية مدى وعي المجتمع السعودي بأهمية المشاركة والتعاون، ويظهر كيف يمكن للمدن أن تتحول إلى منصات معرفية حيوية، تعزز من تماسك المجتمع وتطوير مهارات أفراده بما يتوافق مع متطلبات المستقبل. هذا التكامل بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، وبين الفرد والمؤسسات التعليمية، يجعل تجربة مدن التعلّم نموذجًا مستدامًا يمكن الاستمرار في تطويره وتعميمه في مختلف المدن السعودية، إن إنجاز المملكة برفع عدد مدن التعلّم إلى ثماني مدن هو أكثر من مجرد رقم؛ إنه مؤشر على رؤية واضحة وطموح عملي لبناء مجتمع معرفي قادر على المنافسة عالميًا، ومجتمع يوفر فرصًا متساوية للمرأة، ويضمن إشراك المواطن كشريك فاعل في التنمية. وهكذا، تتحول المدن السعودية إلى بيئات حية للتعلّم والابتكار، تحمل رسالة قوية بأن الإنسان هو الثروة الأهم، وأن التعليم هو مفتاح المستقبل، وأن المشاركة المجتمعية والتعلّم المستمر هما السبيل لبناء وطن قوي ومزدهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.