في المراحل الأولى من التحول الرقمي، انصبّ الاهتمام على سرعة الخدمة وتوسّعها. أما في أبشر 2025، فقد انتقل النقاش إلى الرقمنة بوصفها شأنًا أمنيًا وتنظيميًا يُدار بحوكمة دقيقة. فالرقمنة اليوم ليست سباق خدمات، بل إدارة واعية لمنظومة الأمن في الفضاء الرقمي، بما يفرضه هذا الفضاء من تحديات تتصل بالبيانات، والهوية، والخصوصية، واستقرار المجتمع. ومن هنا، تتجاوز أهمية مؤتمر أبشر البعد التقني، ليقدّم نموذجًا سعوديًا يتعامل مع التقنية باعتبارها أداة سيادية تُوظَّف لضبط المخاطر، وتعزيز الاستقرار، ورفع كفاءة القرار. يحتل مسار الذكاء الاصطناعي والتنبؤ الأمني موقعًا مركزيًا في أبشر 2025، بوصفه تعبيرًا عن تحول واضح في إدارة المخاطر. فالتنبؤ الأمني لا يقوم على الملاحقة أو ردّ الفعل، بل على قراءة الأنماط، وتحليل المؤشرات المبكرة، وبناء نماذج احتمالية تُسهم في توجيه القرار قبل تشكّل التهديد. هذه المقاربة تُعيد تنظيم العمل الأمني ليكون أكثر دقة وأقل كلفة، وتُسهم في ترشيد الموارد ورفع الجاهزية. كما تعكس وعي وزارة الداخلية بطبيعة المخاطر المعاصرة، التي تتسم بالتداخل والتغير السريع، وتتطلب أدوات تحليل متقدمة وانضباطًا عاليًا في إدارة المعلومات. إلى جانب التنبؤ الأمني، يبرز في أبشر 2025 بُعد هندسة الوعي الرقمي، وهو بُعد لا يقل أهمية عن الجانب التقني. فكل نظام رقمي يُعيد تشكيل سلوك المستخدم، ومستوى ثقته، وطريقة تفاعله مع الجهات الأمنية والخدمية. ومن هنا، تُدار الهوية الرقمية، وحماية البيانات، وأطر الخصوصية بوصفها عناصر ثقة، لا تفاصيل تشغيلية. نجاح الرقمنة لا يُقاس بعدد المنصات، بل بقدرتها على تقليل الاحتكاك، وتعزيز الوضوح، وترسيخ الإحساس بالأمان القانوني والتنظيمي. هذه المقاربة تعكس إدراكًا أن الأمن الرقمي لا ينفصل عن الوعي المجتمعي، وأن الاستقرار يُبنى بقدر ما تُبنى الثقة. بلا شك ان مؤتمر أبشر 2025 يمثل نموذجًا متقدمًا في تنظيم الرقمنة ضمن منظومة الأمن، حيث يلتقي التنبؤ الأمني مع هندسة الوعي الرقمي في إطار واحد متماسك. وتحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، تتجسد رؤية وزارة الداخلية في بناء منظومة رقمية متوازنة، تُدير المخاطر بعقلانية، وتحافظ على الاستقرار، وتُسهم في تحسين جودة الحياة. في هذا النموذج، تعمل التقنية بصمت، وتُدار بحكمة، وتؤدي دورها بوصفها أداة ضبط واستقرار لا أداة رفاهية.