الحقيقة التي يجب أن يدركها أبناء اليمن أن كل قضايا اليمن ينظر إليها على أنها قضايا عادلة بما في ذلك قضية الجنوب، وهذا يتطلب التسوية السياسية وليس فرض الأمر الواقع دون تسويات سياسية، فاليمن ليس بحاجة إلى مزيد من الدماء والاختلافات، فالأوضاع المعيشية لا تحتمل؛ ومثل هذه الأحداث سوف تفاقم الأزمة إلى مرحلة تصعب معها السيطرة.. عندما يتحدث أبناء المملكة العربية السعودية عن اليمن فهم يتحدثون عن موقع جغرافي يمثل بالنسبة لهم خاصرة جزيرتهم العربية، فاليمن تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وجتماعيا جزء لا يتجزأ من الجزيرة العربية التي تمثل فيها المملكة العربية السعودية الدولة الأكبر، ورغم التحديات التي واجهتها اليمن خلال العقد الماضي الا أن مكانة اليمن في الجزيرة العربية لا يمكن أن تتغير، ولذلك فإن هناك الكثير من الرسائل الواضحة التي يتوجب فهمها حول الحالة اليمنية ولعل أهمها: أن السيطرة الإقليمية لا يغيرها التحرك المباشر، والانطلاق من فكرة هدفها فقط ترسيخ فكرة انفصال غير مبني على قواعد سياسية. التاريخ في هذه اللحظة هو أهم الأدوات التي تتحرك داخل المشهد في اليمن، ولذلك فإن أبسط مسارات الفهم للحالة في اليمن يتطلب الإشارة الى حجم العقد المحلية والخارجية، ولكن من الواضح ان هناك فهما متواضعا للديناميكيات السياسية من قبل الذين يرون أن عمليات الانفصال يمكن تنفيذها بعيدا عن الاتفاقات السياسية والقرارات الدولية، الواقع الجيوسياسي بكل وضوح غير قابل للتفاوض بتلك الطريقة التي يتم طرحها، ولذلك فالرسالة الثانية هدفها توضيح الفكرة السياسية وهي ان القضايا المعقدة الشائكة في الدول لا تقبل فرض الواقع لمجرد الرغبة فيه. التوقيت الذي تم اختيارة للعودة الى الأفكار الانفصالية من الواضح انه تم بناؤه على معطيات سياسية غير دقيقة، فالهدوء الذي صاحب الحالة اليمنية خلال المرحلة الماضية ليس مبررا للحديث او طرح الأفكار الانفصالية التي سوف تساهم بشكل دقيق في تنامي تعقيدات الأزمة، الخطاب الرسمي السعودي وهو جزء لا يتجزأ من القضية ويدرك بعمق كل المعطيات التي بني عليها توقيت الأزمة القائمة والحالة الدولية، ومن هنا يمكن بناء الرسالة الثالثة التي تؤكد ان ترك اليمن بجنوبه وشماله للحالة الدولية تتحرك في أروقته دون استدراك سوف يزيد من فرص التدخل المؤدي الى تأجيج الحالة اليمنية وإطالة عمر الأزمة بلا فائدة، أما أكثر ما يثير الاستغراب فهي المطالبة بتغيير قواعد الجغرافيا، فقد اعتدنا ان يكون الشمال في مقابل الجنوب ولصيقا له، فكيف يمكن قبول تغيير قواعد الأزمة أن يكون الشمال لصيق الشرق؟ التواري خلف الأسباب الاقتصادية لفكرة الانفصال وأن الهدف يتمثل في إعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية الداخلية هي فكرة استهلاكية، فالحال اليمنية كل لا يتجزأ والأزمة الاقتصادية بسبب الحروب والنزاعات أصابت اليمن بكل جهاته الجغرافية، الفكرة التي يدركها العالم اليوم وبوضوح ان هناك انقساما كبيرا في النسيج القبلي في المنطقة؛ وهذا الانقسام سببه الأساس ان فكرة الانفصال فكرة عابرة للحدود وليست نابعة من الارض، كما ان هذه الفكرة العابرة للحدود تخفي خلفها هدفا استراتيجيا لا يراعي التعقيدات التي سوف تفرض على الواقع السياسي في اليمن. ما يجري في اليمن هو انتكاسة سياسية وعسكرية تعيد الأمر الى نقطة الصفر، وهذا ما يجعل الأفكار الانفصالية دون قواعد سياسية واضحة ضرب من الخيال، وهنا لابد من الإشارة الى ان التصورات القاصرة عن الحالة اليمنية والتفاوت الكبير في المشهد الشعبي على الأرض لن يكون ممرا سهلا لتنفيذ الأفكار لمجرد وضعها كهدف، اليمن دولة اختار العالم وحدتها وهذه حقيقة يستحيل اختراقها في بلد تتنوع فيه الولاءات وتنقسم فيه الكثير من الأفكار، المصالح الكبرى لليمن ليست في تقسيمه بل في ربطه بشكل مباشر بالجزيرة العربية التي لا يمكن ان تكون ممرا للأهداف الاستراتيجية لأي طرف، فالاستقرار في اليمن مطلب أساسي للجزيرة العربية، ومها كان الضوء الأخضر الذي سمح بإشعال الأزمة؛ فإن الحالة اليمنية هي شأن يمني في النهاية، ويجب حله والتعامل معه وفق معايير المخرجات السياسة والقوانين الدولية. اليمن سوف يظل جزءا من الجزيرة العربية وخاصرة مهمة، وهذا هو مضمون الرسالة الرابعة التي لابد ان يدركها أبناء اليمن، بل إن هذه الفكرة هي الخيار الوحيد لإخراج اليمن من أزمته، لذلك فالحقيقة التي يجب أن يدركها أبناء اليمن ان كل قضايا اليمن ينظر إليها على أنها قضايا عادلة بما في ذلك قضية الجنوب، وهذا يتطلب التسوية السياسية وليس فرض الأمر الواقع دون تسويات سياسية، فاليمن ليس بحاجة الى مزيد من الدماء والاختلافات، فالأوضاع المعيشية لا تحتمل؛ ومثل هذه الأحداث سوف تفاقم الأزمة الى مرحلة تصعب معها السيطرة، مما قد ينذر بصراعات داخلية تقضي على كل الجهود.