تشير نظرية (حراسة البوابة) إلى الآليات التي يتم من خلالها اختيار الأخبار التي تصل إلى الجمهور، واستبعاد ما هو غير مناسب. ويشمل ذلك القرارات التي يتخذها المحررون والكتاب والمراسلون والمصورون وغيرهم، والتي من خلالها يتم اختيار الأخبار والتعليقات المناسبة واستبعاد غيرها. يعود أصل النظرية إلى الدراسة التي قام بها الباحث الأمريكي ديفيد وايت في عام 1950م والتي تتبع من خلالها قرارات رئيس تحرير صحيفة في إحدى المدن الصغيرة لمعرفة لماذا يختار بعض الأخبار للنشر ويستبعد أخرى. جمع الباحث مئات الأخبار الواردة للصحيفة، وقارن بين ما نُشر فعلاً وما تم رفضه، ثم طلب من رئيس التحرير تفسير قراراته. فكشفت التجربة أن عملية اختيار الأخبار لا تعتمد فقط على معايير مهنية وموضوعية، بل تتأثر أيضاً بخبرة المسؤول عن التحرير واتجاهاته وتقديراته الخاصة للأخبار الجديرة بالنشر. وأظهرت النتائج أيضاً أنه حتى الفرد الذي يشغل موقعاً صغيراً نسبياً في سلسلة الإنتاج الإخباري يمكن أن يؤثر بشكل كبير في شكل المحتوى الذي يصل إلى الجمهور. وبذلك، أصبح مفهوم (حراسة البوابة) لاحقاً إحدى أهم نظريات الإعلام التي تشرح كيفية بناء الأخبار وتحويلها من مادة خام إلى رسائل جاهزة للاستهلاك العام. ولكن مع دخولنا في العصر الرقمي لوسائل الإعلام نلاحظ أن هذا النموذج التقليدي لم يعد مناسباً لعصر المنصات الرقمية. فاليوم لم يعد هناك حارس بوابة واحد، بل شبكة واسعة من المؤثرات التي تتحكم في ما نراه وما لا نراه. لم يعد دور البوابة حكراً على المؤسسات الصحفية، بل أصبح موزعاً بين المنصات الرقمية، وبين الخوارزميات التي تنظم المحتوى، وحتى بين المستخدمين أنفسهم الذين يسهمون في انتشار الأخبار من خلال المشاركة والتفاعل. هنا، يمكن القول: إن غرف الأخبار فقدت جزءاً كبيراً من سيطرتها على تدفق المحتوى بعد ظهور المنصات الكبرى التي أصبحت وسيطاً لنقل الأخبار والمعلومات والتعليقات بين المؤسسات والجمهور. ومع ذلك لم يختف دور الصحفي تماماً، لكنه أصبح جزءاً من نظام أوسع تتداخل فيه قرارات التحرير مع البرمجيات، ومع سلوك المستخدمين. ونلاحظ بشكل أساسي أن برمجيات التنبؤ والاختيار (أو ما يسمى بالخوارزميات) نفسها أصبحت تؤدي دور حارس بوابة جديد. فهي تختار ما يظهر أعلى الصفحة وما يختفي في الأسفل، وتقرر ترتيب الأخبار حسب معايير تعتمد على البيانات الضخمة وسلوك كل مستخدم. هذه البوابة الخفية تؤثر في اهتمامات الناس وفي الطريقة التي يفهمون بها العالم دون أن يدركوا ذلك في الغالب. ونلاحظ أيضاً أن المستخدم لم يعد متلقياً سلبياً لأن أفعاله البسيطة مثل الإعجاب والتعليق والمشاركة أصبحت جزءاً من عملية تشكيل مسار الأخبار. فكل تفاعل يعيد توجيه المحتوى ويؤثر في وصوله وانتشاره، مما يجعل الجمهور أحد اللاعبين الرئيسيين في تحديد ما يصبح مهماً وما يختفي من المشهد. معنى ذلك أن تدفق الأخبار أصبح عملية معقدة تمر عبر بوابات متعددة، بدءاً من المؤسسة الصحفية، مروراً بالمنصة الرقمية، وصولاً إلى الخوارزميات ثم تفاعلات الجمهور. هذا النظام المتشابك يفسر لماذا تختلف تجربة كل شخص على المنصات، ولماذا يرى كل مستخدم عالماً رقمياً مختلفاً بحسب اهتماماته وسلوكياته السابقة التي ترصدها الخوارزميات. وفي الختام، نقول: إن فهم الإعلام اليوم يحتاج إلى إدراك حقيقة أن البوابة لم تعد مكاناً ثابتاً أو دوراً يؤديه شخص واحد أو عدد قليل من الأشخاص، بل أصبحت عملية دينامية موزعة بين أطراف متعددة تشمل المصدر والوسيلة والجمهور نفسه.