تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز موقعها الريادي في مجال الذكاء الاصطناعي، بوصفه أحد أهم محركات النمو الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، في ظل استثمارات ضخمة بمليارات الريالات، وجهود واسعة لتطوير قطاع البيانات والتقنيات المتقدمة، ما أسهم في احتلال المملكة المرتبة الثالثة عالميًا في هذا المجال، متقدمة على عدد من الدول الكبرى. وفي هذا الإطار، رجّح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، عبدالله السواحه، أن تصل قيمة الفرص الاستثمارية والشراكات في مجال الذكاء الاصطناعي في المملكة إلى نحو 100 مليار ريال خلال السنوات الخمس المقبلة، وتشمل هذه الفرص تطوير البنية التحتية والمنصات والتقنيات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي. وتتوافق هذه التقديرات مع تصريحات وزير الاقتصاد والتخطيط الأستاذ فيصل الإبراهيم، التي أدلى بها يوم الأربعاء الماضي، مؤكدًا أن المملكة تدخل مرحلة جديدة من التحول الاقتصادي سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الرئيس لنمو الاقتصاد غير النفطي خلال السنوات القادمة، بما يسهم في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد الوطني. وأوضح الإبراهيم، خلال مشاركته في مؤتمر "ملتقى الميزانية السعودية 2026"، أن الذكاء الاصطناعي لن يقتصر أثره على تعزيز الإنتاجية فحسب، بل سيسهم كذلك في تعظيم العوائد الاقتصادية والمالية من الاستثمارات، إلى جانب استقطاب المواهب العالمية والشركات التقنية للمملكة. وبيّن السواحه أن حجم الفرص الاستثمارية في قطاع التقنية يُقدّر بنحو 51 مليار ريال خلال السنوات الخمس المقبلة، تشمل مجالات التقنية والابتكار، والسياحة والضيافة، والصناعات المتقدمة، إلى جانب الصحة والتعليم. كما أشار إلى أن حجم الفرص الاستثمارية في البنية التحتية الرقمية يُقدَّر بنحو 30 مليار ريال، وتشمل تقنيات الاتصالات الحديثة، وتوطين المحتوى المحلي، وإنترنت الأشياء. وعززت المملكة مكانتها في الذكاء الاصطناعي بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في نهاية عام 2020، كما أطلق سمو ولي العهد في مايو الماضي شركة "هيوماين" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف تطوير وإدارة تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيها. ويعتقد وزير الاقتصاد أن شركات وطنية مثل "هيوماين" مرشحة لأداء دور محوري في اقتصاد المستقبل، على غرار المكانة الاستراتيجية التي تحتلها شركة "أرامكو" في قطاع الطاقة. وأشار وزير الاتصالات إلى أن منظومة الاتصالات وتقنية المعلومات نجحت في جذب استثمارات بلغت 44 مليار دولار عبر مؤتمر "ليب" خلال الأعوام 2022–2024، كما ارتفع عدد الشركات التقنية المدرجة إلى 25 شركة ضمن برنامج الإدراج، إضافة إلى إطلاق البرنامج الوطني لتنمية المعلومات بحزمة قدرها 2.5 مليار ريال. وسجل قطاع التقنية قفزة نوعية تمثلت في ارتفاع عدد الشركات المليارية، ليصل إلى 8 شركات في عام 2025 مقارنة بشركتين فقط في عام 2020، فيما سجّل الاقتصاد الرقمي نموًا بنسبة 66% خلال عام 2025، بقيمة إجمالية بلغت 495 مليار ريال، مقارنة ب298 مليار ريال في عام 2018. وأكد السواحه أن من أبرز أولويات التحول تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعظيم إسهامه في الناتج المحلي، واستقطاب الاستثمارات النوعية، وتعزيز المحتوى المحلي، وإعادة إحياء المحتوى الرقمي، وتحفيز ريادة الأعمال، ودعم استثمارات الصناديق والشركات الناشئة. وأضاف أن جهود التحول أسهمت في دعم 3083 شركة ناشئة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص بقيمة 8 مليارات ريال، وتوفير 17 ألف فرصة عمل، إضافة إلى إنشاء 446 مشروعًا ناشئًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مع تقديم تمويلات من القطاع الخاص بلغت 12 مليار ريال. إلى ذلك، تصدّرت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عربيًا، وحلّت في المركز الخامس عالميًا في مؤشر نمو الذكاء الاصطناعي، وفقًا لبيانات المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، في إنجاز جديد يعكس ما توليه المملكة من اهتمام استراتيجي بهذا القطاع الحيوي. ويأتي هذا التقدم ثمرة لجهود متواصلة وخطط تنموية متكاملة أسهمت في تعزيز تنافسية المملكة عالميًا، وترسيخ مكانتها كأحد أسرع الدول نموًا في مجال الذكاء الاصطناعي، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وشهدت فترة قياس المؤشر إطلاق حزمة واسعة من المبادرات الوطنية النوعية، التي تقودها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، وأسهمت بدور محوري في تعزيز موقع المملكة ضمن التصنيفات العالمية، عبر تنفيذ العديد من المشروعات والمبادرات الاستراتيجية في مجالات البيانات، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة. وعلى صعيد منفصل، سجّلت موجودات البنك المركزي السعودي "ساما" تراجعًا خلال شهر أكتوبر الماضي لتصل إلى نحو 1.9 تريليون ريال، بانخفاض شهري بلغ 21.1 مليار ريال، في حين ارتفعت على أساس سنوي بنحو 118.8 مليار ريال، وفقًا للنشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك. ويُعزى هذا التراجع الشهري بشكل رئيس إلى انخفاض استثمارات البنك المركزي في أوراق مالية بالخارج، التي تمثل نحو 52% من إجمالي موجوداته، حيث تراجعت بنسبة قاربت 2% لتصل إلى نحو 1.01 تريليون ريال. ويعكس هذا الأداء تحركات الأصول الخارجية للبنك المركزي في ظل المتغيرات الاقتصادية والمالية العالمية، مع استمرار المحافظة على مستويات قوية من الموجودات على أساس سنوي. من جهة أخرى، سجّلت أرباح البنوك السعودية نموًا بنسبة 7% خلال شهر أكتوبر، لتصل إلى نحو 8.24 مليارات ريال قبل الزكاة والضرائب، وفقًا للنشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما". وشملت الأرباح المجمعة نتائج البنوك المدرجة في سوق الأسهم السعودي، إلى جانب فروع البنوك الأجنبية العاملة في المملكة، ما يعكس استمرار الأداء الإيجابي للقطاع المصرفي في ظل النشاط الاقتصادي المتنامي. وعلى صعيد الميزانية المجمعة، ارتفعت موجودات البنوك العاملة في السعودية بنسبة 13.2% خلال أكتوبر، لتصل إلى نحو 4.9 تريليونات ريال، في مؤشر على قوة القطاع المالي واستمرار توسع أعماله. كما ارتفع إجمالي الودائع في البنوك بنسبة قاربت 7% ليصل إلى نحو 2.9 تريليون ريال بنهاية شهر أكتوبر، بالتوازي مع نمو ملحوظ في الإقراض، حيث صعدت القروض المقدمة للقطاع الخاص بنسبة 12% لتصل إلى نحو 3.1 تريليونات ريال في الفترة ذاتها. ويعكس هذا الأداء المتصاعد متانة القطاع المصرفي السعودي، ودوره المحوري في تمويل الأنشطة الاقتصادية ودعم مستهدفات التنمية ضمن رؤية المملكة 2030. في التمويل العقاري، سجّل التمويل السكني الجديد المقدم للأفراد في المملكة تراجعًا بنسبة 32% على أساس سنوي خلال شهر أكتوبر، ليصل إلى نحو 5.55 مليارات ريال، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما". وأظهرت البيانات أن إجمالي عدد العقود المبرمة بين المصارف والأفراد خلال شهر أكتوبر تجاوز 8 آلاف عقد، في مؤشر على استمرار النشاط التمويلي رغم التراجع في القيمة الإجمالية. كما كشفت البيانات انخفاض متوسط قيمة التمويل العقاري الجديد إلى 691 ألف ريال، بتراجع نسبته 6% مقارنة بمتوسط قيمة التمويل في أكتوبر 2024. وعلى صعيد توزيع التمويل بحسب نوع المنتج العقاري، استحوذ تمويل الفلل السكنية على الحصة الأكبر من إجمالي التمويل المقدم من البنوك خلال أكتوبر، بقيمة بلغت 3.668 مليارات ريال وبنسبة 66% من الإجمالي، تلتها الشقق السكنية بقيمة 1.522 مليار ريال، ثم تمويل الأراضي بنحو 357 مليون ريال. وفيما يخص التمويل العقاري السكني الجديد المقدم للأفراد من شركات التمويل، فقد سجّل تراجعًا خلال شهر أكتوبر بنسبة تقارب 15%، ليصل إلى نحو 217 مليون ريال. ويعكس هذا الأداء تحولات سوق التمويل العقاري في ظل المتغيرات الاقتصادية وارتفاع تكلفة التمويل، مع استمرار الطلب على المنتجات السكنية، لا سيما الفلل والشقق.