في لحظات الشدّة، حين يضيق الأفق وتغيب الحلول، تظهر معادن الرجال، وتسطع القيم الأصيلة التي لا تُعلَّم في المدارس ولا تُكتب في الكتب، بل تُورث في القلوب. ومن بين أجمل هذه القيم التي تجسّد هوية المجتمع السعودي: الفزعة. تلك الروح التي لا تنتظر مقابلًا، ولا تسأل عن اسم أو نسب، بل تسابق الزمن لإنقاذ روح، أو ستر عثرة، أو تفريج كربة. فزعة السعوديين ليست موقفًا عابرًا، بل سلوك متجذّر، نراه في الطرقات عند الحوادث، وفي السيول عند الخطر، وفي الحرائق، وفي البحث عن مفقود، وحتى في أبسط المواقف اليومية؛ سيارة تعطلت، أسرة ضاقت بها الحال، أو إنسان احتاج يدًا تمتد إليه بلا تردد. كم شاهدنا مقاطع لمواطنين يقتحمون الخطر لإنقاذ غريق، أو يخرجون المصابين من مركبة مشتعلة، أو يتركون أعمالهم لإغاثة محتاج لا يعرفونه. لا دافع سوى النخوة، ولا محرك سوى إنسانيتهم. وكأن في داخل كل سعودي صوتًا يقول: "فزعة... لا تترك أخاك وحده". هذه الروح لم تأتِ من فراغ، بل هي امتداد لقيم هذا الوطن منذ تأسيسه؛ قيم التعاون، والتكافل، والشهامة، وحب الخير. وهي ذات القيم التي عزّزها الدين، وربّاها المجتمع، وغرستها القيادة في النفوس، حتى أصبحت الفزعة ثقافة عامة لا تقتصر على فئة دون أخرى. والأجمل في فزعة السعوديين أنها لا تفرّق بين مواطن ومقيم، ولا بين قريب وبعيد، فالإنسان أولًا، والحياة أغلى من كل اعتبار. ولذلك باتت هذه المشاهد مصدر فخر يتداوله الناس في كل مكان، ودليلًا حيًّا على أن هذا المجتمع ما زال حيّ الضمير، متماسك القيم. إن الفزعة ليست مجرد بطولة لحظة، بل مسؤولية مجتمع، ورسالة أخلاق، وصورة مشرقة لوطن لا يترك أحدًا خلفه. وكل فزعة تُسجّل، هي شهادة جديدة على أن الشهامة ما زالت تنبض في قلوب السعوديين، وأن الخير في هذا البلد بخير. تحية لكل يدٍ امتدت، ولكل قلبٍ بادر، ولكل سعودي جعل من الفزعة أسلوب حياة.