استضافت جامعة عِفّت بجدة المنتج والخبير السينمائي الأمريكي توم جاكوبسون من جامعة جنوب كاليفورنيا، ضمن برنامج تدريبي متقدم في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. وفي هذا الحوار، يكشف جاكوبسون رؤيته للسينما السعودية، وتحولات الصناعة عالميًا، وتجربته الشخصية في هوليوود وتجارب مختلفة، فإلى الحوار: *بدايةً، ما انطباعك عن زيارتك إلى المملكة؟ * زيارتي كانت ثرية وملهمة. لفتني شغف الشباب السعودي، وطاقة الإبداع التي يتحلّون بها، بالإضافة إلى سرعة التطور في الثقافة والفنون. هناك وعي واضح بأهمية السينما كوسيلة للتعبير وبناء الجسور بين الشعوب. أشعر أن المملكة تكتب فصلًا جديدًا في تاريخها الثقافي، ويسعدني أن أكون حاضرًا في هذه المرحلة المهمة. *كيف بدأت رحلتك في صناعة الأفلام؟ * اكتشفت شغفي في الجامعة عندما التحقت بدورة في الإنتاج الوثائقي. أحببت العملية منذ اللحظة الأولى. وبعد التخرج عملت كمساعد إنتاج، ثم تدرجت إلى مساعد مخرج، ثم مدير إنتاج، ثم منتج مشارك. أدركت خلال عامين أو ثلاثة أن الإنتاج هو شغفي الحقيقي، لأنه يجمع بين الإبداع وإدارة تحويل القصة إلى فيلم. *هل تفضّل العمل على أفلام ضخمة الميزانية أم الأفلام المستقلة؟ * بالنسبة لي، لا يتعلق الأمر بحجم الميزانية، بل بالقصة الإنسانية. سواء كان العمل دراميًا أو أكشن أو كوميديا، فالجوهر واحد: سرد رحلة شخصية تقدّم المتعة للجمهور. *ما أبرز التحديات التي يواجهها المنتج اليوم؟ * التحدي الأول هو إيجاد السيناريو المناسب، ثم تجميع العناصر الإبداعية اللازمة (المخرج، الممثلون، الفريق) لإقناع الجهات المنتجة بتمويل الفيلم. ومع تعدد المنصات والخيارات، أصبح السوق أكثر تنافسية وتشعّبًا. *كيف أثّرت المنصات الرقمية على الصناعة السينمائية؟ * في البداية، كانت منصات البث متعطشة للمحتوى، مما خلق طفرة إنتاجية. لكن مع نضجها، أصبحت أكثر تحفظًا في الإنفاق، فتراجع حجم الإنتاج وازدادت المنافسة بين صناع الأفلام. ومع تراجع دور السينما التقليدية عالميًا، أصبحت هذه المنصات منقذًا للأفلام الروائية ومنحتها مساحة للاستمرار. كما أنها قدّمت ميزة مهمة: انتشار عالمي سمح للأعمال المحلية بأن تصل لجمهور أوسع حول العالم. *ما نصيحتك للشباب الطامحين لدخول هذا المجال؟ * اصنعوا شيئًا، ثم اصنعوا المزيد. أدوات الإنتاج اليوم متاحة ورخيصة وسهلة. اعملوا بجد، فالإبداع لا يصنع نفسه. ستتغير أساليب العرض والتوزيع، وستتغير تقنيات الصناعة، لكن شغف الناس بسماع القصص لن يتغير. وأود الإشارة هنا إلى أن الطلاب السعوديين يمتلكون موهبة استثنائية وقدرة على التعبير تجمع بين وعي ثقافي راسخ وانفتاح على العالم. مستوى نقاشاتهم لا يقل عن طلابي في لوس أنجلوس. *بعد حوالي ثماني سنوات من عودة السينما إلى المملكة، كيف ترى تأثيرها؟ * أعتقد أن عودة السينما أحدثت تغييرًا ثقافيًا عميقًا. أصبحت منصة للتفكير والنقاش والتعبير. الجمهور السعودي اليوم يبحث عن أفلام تعبّر عن هويته وواقعه، وفي الوقت نفسه يتفاعل مع التجارب العالمية. هذا التوازن ضروري لصناعة سينمائية مستدامة وصحيّة، كما يمنح العالم صورة حقيقية عن المجتمع السعودي. *شاهدت أعمالًا سعودية، كيف تقيّم مستواها؟ * شاهدت عدة أفلام وأعجبتني جودتها وصدقها الإنساني. فيلم «هجرة»، على سبيل المثال، عمل متقن من حيث السرد والبناء والشخصيات. وعلى الرغم من خصوصيته المحلية، فإنه يحمل موضوعات عالمية. هناك مخرجون شباب يمتلكون حسًا سرديًا عاليًا وقدرة على معالجة قضايا المجتمع بنضج لافت. ومع استمرار الدعم المؤسسي والتعاون الأكاديمي، أرى أن السعودية ستكون لاعبًا مهمًا في السينما الإقليمية والعالمية. *كيف ترى دور المهرجانات السعودية مثل مهرجان البحر الأحمر؟ * المهرجانات هي القلب النابض للصناعة. فهي ليست مجرد عروض أفلام، بل منصات لبناء شبكات العلاقات وتبادل الخبرات وخلق فرص التعاون. ما يميز المهرجانات السعودية هو الاحترافية والتنظيم الجيد، بالإضافة إلى تركيزها على دعم المواهب المحلية. *أخيرًا، ما توقعاتك لدور الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما؟ * الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل، وسيزداد دوره في المؤثرات البصرية والرسوم المتحركة والصوت وغيرها. لكنه لن يحل محل الإبداع البشري في ابتكار القصص. ما يجب على صناع الأفلام فعله هو تعلم استخدامه كأداة تمنحهم قدرة أكبر على تنفيذ رؤاهم، وتوجيه هذه التكنولوجيا بما يخدم الجانب الإبداعي. في جامعة هفت أثناء الورش والمحاضرات التي قدمها أحد أعمال توم جاكسون فيلم «Uncle Buck» «العم باك»