مقولة سمو ولي العهد: "نحن لا نقوم بالاستثمار لإرضاء أميركا أو الرئيس ترمب، نحن نرى فرصا حقيقية هنا تعود علينا بالفوائد"، لم تكن المقولة مجرد تصريح عابر، بل دستورا للسيادة الاقتصادية في عالم تحكمه المصالح المتشابكة. في تلك اللحظة التاريخية وعبر قنوات كوكب الأرض، وفي معقل البيت الأبيض، لم يكن الرد واضحا كالشمس فحسب، بل كان إعلانا صريحا أن الاستثمار "الترليوني" مع واشنطن ليس "إرضاء" للدولة العظمى ولا للرئيس ترمب بل هو تأكيد على أن المصالح الوطنية هي البوصلة الوحيدة. هذه الكلمات العظيمة تختزل جوهر "رؤية 2030"؛ فالمملكة لم تعد تلعب دور الممول السخي أو المشتري المطيع، بل تحولت العلاقة الاستراتيجية مع أقوى دولة في العالم من "الصفقات التقليدية" إلى شراكة ندية أساسها البحث عن القيمة المضافة المتبادلة. عندما تستثمر المملكة، سواء عبر صندوق الاستثمارات العامة أو عبر أجهزتها وشركاتها الوطنية، فإن القرار ينبع من تحليل دقيق للجدوى الاقتصادية والفرص الكامنة التي تخدم مصالح الشعب السعودي أولا وأخيرا. فاستثمار المملكة في قطاعات التقنية، البنية التحتية، والمعادن الحيوية في الولاياتالمتحدة، هو استثمار في نقل المعرفة، وتوطين التقنية، وتأمين سلاسل الإمداد التي تحتاجها مشاريع المملكة العملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر وغيرها. بمعنى آخر، نحن نزرع في واشنطن لنحصد في الرياض. كيف تحولت هذه المقولة إلى عقيدة اقتصادية؟ تحولت عبر تثبيت مفهوم جديد للقوة في العلاقات الدولية؛ فبديلا عن أن تكون القوة بالاعتماد على المشتريات الدفاعية فحسب، باتت القوة الحقيقية هي القوة النقدية الموجهة بذكاء استراتيجي. لقد أعلنت المملكة، عبر هذه الكلمات القليلة، أنها تمتلك الآن "فيتو" اقتصادي أمام أي محاولة للي ذراعها سياسيا، لأن مصالح الطرف الآخر مرتبطة عضويا بنجاحها هي. وبهذا، تم تحويل رأس المال، بذكاء القائد، من مجرد رصيد خام إلى أداة سياسية ناضجة تضمن للمملكة الاستقرار والندية والاحترام، مؤكدة أن "الإرضاء" هو مصطلح انتهت صلاحيته في قاموس السياسة السعودية الحديثة. هذا التصريح يمنح الثقة للمواطن السعودي والمستثمر الدولي على حد سواء، ويؤكد أن قرار ضخ مئات المليارات لا يخضع للتقلبات السياسية أو التغيرات الإدارية، بل هو جزء من خطة استراتيجية مرسومة بعناية لا يمكن اختزالها في رغبة رئيس أو حزب. إنها رسالة مفادها: "نحن هنا لأن هذا يخدمنا أولا، والاستثمار في أميركا هو فرصة لا يمكن إهدارها لتعزيز محفظتنا الاقتصادية وتنويع مصادر دخلنا". مقولة ولي العهد هي بحق، الإعلان عن ولادة عصر "الريادة بلا تبعية".