يقول المولى جل وعلا في كتابه الكريم: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"، وفي آية أخرى يقول عز من قائل: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، فإذا أعْمَلنا الفكر في كنه هاتين الآيتين الكريمتين وأمعنَّا النظر في مدلولهما العميق لوجدنا أن الآية الأولى تبين لنا أن ليس لدينا إحاطة بكل شيء وأنَّ علمنا وإحاطتنا يقصران عما نعلمه ونحيط به، بينما الآية الثانية تحثنا على العمل وتحضنا على اكتناه المجهول وسبر أغواره ومعرفة أسراره، لذا نجد انَّ ثمَّة صلة قوية ورابطًا متينًا وتكاملا محكمًا بين هاتين الآيتين الكريمتين إذ يتبدَّى لنا فيهما ما يحفز العقل على التفكر والتدبُّر ويحث الفرد على طلب العلم وتلمس المعرفة في أعماق ذاته وفيما حوله وفي رحاب الكون بأجمعه. لقد كان للتقدم العلمي والتقني المذهل في عالم اليوم دور كبير في التأثير على ميادين الحياة المختلفة وتسهيل أساليب العمل واختصار الوقت وتطوير وسائل الإنتاج لرفع كفاءة المُنْتَج ورفع جودته وتحسين نوعيته. لذا بات معروفًا لدى الجميع أن عصرنا الحاضر هو عصر حافل بوسائل متطورة وطرائق مستجدة وتقنيات متعددة وقنوات متشعبة وإمكانات متاحة في مجالات المعرفة والعلوم والتعلم والتعليم والتقنية والذكاء الاصطناعي من حيث تنوعاتها المتعددة وتخصصاتها الدقيقة ومفاهيمها الشاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، وبخاصة ما يتعلق بسلامة البيانات ونقلها وتبادلها وأمنها وسريتها والتعامل معها والحفاظ عليها. ولذا، فإن من المشاهد أن كثيرًا من الجهات الحكومية والهيئات المهنية والقطاعات الخاصة في مختلف دول العالم تحث على تطوير ودعم وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وشبكاتها الذكية، والتوسع في تبنيها وتطبيقاتها، وهي أنظمة متطورة تستخدم تقنيات قادرة على إنشاء "محتويات" جديدة (بما في ذلك النصوص والصور والأصوات والرموز ومقاطع الفيديو)، إلى جانب جمع البيانات واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار بمستويات متفاوتة من التحكم الذاتي، واختيار أفضل إجراء لتحقيق أهداف محددة يمكن الوصول إليها والحصول عليها. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي العلامة الفارقة، والسمة السائدة لعصرنا الحاضر، والطابع الذي يهيمن على الكثير من أساليب وأنماط حياتنا المعيشية وأنشطتنا اليومية. إذن، فما الذكاء الاصطناعي؟ ما آلاته وأدواته؟ وماذا عن المحتوى الرقمي العربي على منصاته؟ وما تطبيقاته في حياتنا اليومية، وكيف يخدم الذكاء الاصطناعي قطاع الطاقة بشكلٍ خاصٍ، كذلك التقنيات التي تُمكن الآلات من إبراز المنطق والقدرات المحاكاة لقدرات الإنسان مثل اتخاذ القرارات المستقلة وحل المعضلات الشائكة؟ كما يتعلم الذكاء الاصطناعي من خلال استيعاب كميات هائلة من بيانات التدريب، والتعرف على النبرات والأنماط والإشارات والاتجاهات الفورية، وحل المشكلات الطارئة بشكل استباقي، والتنبؤ بالأوضاع والحالات والحوادث المستقبلية. لذا، فإن الذكاء الاصطناعي مستمر في التأثير على جميع جوانب حياتنا، ولذلك، لا بد من قراءة الكتب والمراجع وكافة الأبحاث والدراسات التي تناولته، من أجل الحصول على معرفة دقيقة حوله، تمكننا من تبنيه، وتطويره، واستغلاله، والاستفادة منه بأسلوبٍ أمثل، وعلى النحو الأفضل. وبالنسبة للمملكة فقد بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي منذ وقت مبكر حينما صدر أمر ملكي كريم عام 1440ه بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» لتكون المرجع الوطني في كل ما يتعلق بها من تعامل وتنظيم وتحديث وتطوير. وقامت سدايا بمهمة قيادة التوجه الوطني للبيانات والذكاء الاصطناعي لتحقيق تطلعات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة سدايا -يحفظه الله- ومستهدفات رؤية المملكة 2030، فعملت على تطوير الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي من أجل توحيد الجهود وإطلاق المبادرات الوطنية في البيانات والذكاء الاصطناعي وتحقيق الاستفادة المثلى منهما. إن التغيرات الهائلة التي طرأت على حياة الإنسان منذ أن كان يحيا حياة بدائية بسيطة كان فيها يعتمد على نفسه وعلى قواه الجثمانية في الريِّ والحرْث والزراعة وجني المحاصل وتسخير قوة الحيوانات العضلية في التنقل وحمل الأثقال وجر العربات وجلب المياه من الآبار إلى أن بدأت الثورات الصناعية في مراحلها الأربع منذ القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا لتجلب معها العديد من التغيرات التقنية الهائلة التي غيَّرت حياة الإنسان تغييرًا جذريًا من حياة الهوان والشظف والبؤس والإرهاق إلى حياة اليسر والراحة والرغد والرفاه، هذا إلى جانب الدعة والاستقرار والأمن والاطمئنان. نعم، لقد جلبت تلك الثورات الكهرباء والإلكترونيات والحواسيب والتي مهدت لبزوغ عصر الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والخوارزميات والروبوتات. والذكاء الاصطناعي يمكن تعريفه بعبارة بسيطة هي أنه علم صُنْع الآلات القادرة على تعلم أداء المهام التي يُعتقد تقليديًا أنها تتطلب ذكاءً بشريًا. ويمثل الذكاء الاصطناعي في وقتنا الحاضر أهم محطات التطور العلمي في تاريخ البشرية، بل يمكن القول بإنه امتداد طبيعي لمسيرة العقل البشري الذي سعى على مدى قرون عديدة إلى ابتكار أدوات تساعده على فهم الحياة ومجرياتها وإعادة ترتيبها وصياغتها والتعامل معها. إن الذكاء الاصطناعي لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة تطور العقل البشري الذي كانت حصيلته تراكم معرفي ومراس تقني بدأ مع علوم الرياضيات والمنطق والبرمجة، وصولا إلى الحوسبة السحابية والشبكات العصبية العميقة. * جامعة الملك سعود