قبل سنوات، وربما قبل أشهر فقط كان الحديث عن الذكاء الاصطناعي يشبه الخيال العلمي. شيء بعيد، معقد، ونتساءل دائمًا "ليش نحتاجه؟". لكن هذا الغريب أصبح اليوم جزءًا من يومنا، يشاركنا الطاولة، ويجلس معنا في أدق التفاصيل العائلية دون استئذان. وشعوري تجاهه تغيّر تمامًا عندما رأيت تأثيره على والدَيّ اللذين نشآ في زمن كانت فيه هذه التقنيات مجرد فكرة طموحة وليست واقعًا ملموسًا. في أحد الأيام دخلت عليهما، فوجدتهما في نقاش حامٍ حول هالأغنية لمين؟ في أحد المسلسلات القديمة. كانت والدتي تصر أنها لفلان، وأبي له رأي آخر. وفي لحظة قرروا أن يحتكموا ل"تشات جي بي تي"، تدخل الذكاء الاصطناعي بصوته الواثق ليؤكد وجهة نظر أمي. لا أنسى نظرة الانتصار التي لمعَت في عينيها... ذلك المزيج بين الفرح والدهشة بأن آلة ما سمعت لها ووقفت في صفّها. يومها فهمت أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد وسيلة للعمل أو البحث، بل أصبح وسيطًا اجتماعيًا في لحظاتنا الصغيرة. ولم يقف الأمر عند الترفيه. كنت أخاف أن أكون بعيدة عنهما ولا أعرف حالتهما الصحية، فهما يعانيان من السكري والضغط. لكن ابنتي الصغيرة ذات الثمانية أعوام كانت أذكى منا جميعًا، حين اقترحت أن نستخدم تطبيقًا مرتبطًا بساعات ذكية يرتديانها. صارت التنبيهات تصل مباشرة. ارتفع السكر، بحاجة حركة، اشرب ماء. صار الاطمئنان على من أحبّ أسهل وأقرب، حتى غدت التكنولوجيا رفيقًا صحيًا لا ينام. ومع كل هذا، ينتابني سؤال: هل نعتمد على الآلة أكثر مما يجب؟ الدراسات تشير إلى أن أكثر من نصف من هم فوق الخمسين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل يومي، لكن الثقة فيه ما زالت منقوصة. قد يساعد في إنهاء نقاش بسيط بشكل لطيف، ولكن ماذا إذا بدأ يحسم القرارات الكبرى؟ ماذا إذا استبدل الحوار الحقيقي بيننا؟ تجربتي مع والديّ كشفت لي أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من جودة الحياة، وأنه قادر على جعل كبار السن أكثر تفاعلًا، وأكثر أمانًا، وربما أكثر ابتسامًا. لكنه في المقابل يحتاج إلى عين يقظة، وحدود واضحة، حتى يبقى دوره مساعدًا لا متحكمًا. في النهاية، لست خائفة منه بل من أن ننسى نحن دوره الحقيقي. الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا للعائلة، لكنه قد يكون الجسر الذي يعيد الدفء إليها بطرق لم نتوقعها يومًا. وربما كل ما يحتاجه الأمر أن نتفاعل معه بوعي... ونترك له المساحة التي يستحقها فقط. لأنه حين يفوز أحد الوالدين في نقاش ويبتسم الآخر، ندرك أننا لسنا أمام آلة، بل أمام أداة صُنعت لحياتنا لا لتحلّ محلّها.