شهدت الدورة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار (FII9) في الرياض، تحولاً استثمارياً وإنسانياً مهماً، يجسّد رؤية جديدة تقودها المملكة العربية السعودية لتعزيز الاستثمارات ذات الأثر المباشر على حياة المجتمعات، في وقت حققت فيه المبادرة منذ انطلاقها عقوداً استثمارية تجاوزت 200 مليار دولار. وتُعد مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في المؤتمر، بحضور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نقطة محورية ترمز لعودة سورية إلى الحضن العربي وفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي والإعمار. واستطاعت المبادرة هذا العام إعادة توجيه جذرية نحو الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي، استجابة لعودة أزمة تكلفة المعيشية لتصبح الهاجس الأول عالميا. ولم يعد الهدف مجرد جني الأرباح السريعة، بل تحويل رؤوس الأموال نحو قطاعات أكثر تأثيراً في حياة الناس، وهي: البنية التحتية، الرعاية الصحية، التعليم، الأمن الغذائي، الطاقة المتجددة. وهذا التحول يجسّد فلسفة ريتشارد أتياس، الرئيس التنفيذي للمبادرة، الذي يرى أن الاستثمار في «نهضة سورية» على سبيل المثال، يمكن أن يخلق أثراً إيجابياً هائلاً على مستوى المنطقة بأكملها. مثلت المشاركة السورية في المؤتمر رسالة قوية مفادها أن البلاد تخطّت صفحة الحرب وفتحت أبوابها للاستثمار العالمي.. وكشف الرئيس الشرع عن أن سورية استقطبت 28 مليار دولار من الاستثمارات خلال الأشهر العشرة الماضية فقط. وتمتلك سورية عدة مقومات تجعلها وجهة جاذبة، أبرزها: * موقع استراتيجي: حيث وصفها الرئيس الشرع أنها «بوابة الشرق وطريق الحرير»، وممر تجاري حيوي لإعادة ربط سلاسل التوريد العالمية. * فرص استثمارية غنية: قال الرئيس الشرع: «الفرص في سورية كبيرة جداً وتتسع للجميع. كل نكبة هي فرصة استثمارية، وكل حجر هُدم سنعيد بناؤه من جديد». * إصلاحات تشريعية: حيث تم تعديل قانون الاستثمار ليصبح من أفضل عشرة قوانين في العالم، مما يمنح المستثمرين الأجانب حقوقاً كاملة، بما في ذلك تحويل أموالهم للخارج. كما تم على هامش المبادرة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم ستسرّع عملية إعادة الإعمار في سورية ودعم اقتصادها. وجمعت المبادرة تحت مظلتها أكثر من 8 آلاف مشارك و650 متحدثاً بارزاً، من بينهم قادة أكثر من 20 دولة، في حوار عالمي يستشرف المستقبل. وقد كان لاستضافة المملكة وتشريف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -الذي حضر جلسة الرئيس السوري- الأثر البالغ في نجاح هذه الدورة، مما يؤكد الدور المحوري للمملكة كقاطرة للاستقرار والازدهار في المنطقة. لم تكن الدورة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار مجرد مؤتمر اقتصادي عادي، بل كانت إعلاناً لمرحلة جديدة، تتحول فيها رؤوس الأموال من البحث عن الربح السريع إلى صناعة الأثر الإنساني العميق، لقد نجحت المبادرة، بقيادة المملكة العربية السعودية، في تحويل سورية من رمز للصراع إلى قصة أمل، تثبت أن الاستثمار الواعي هو أقوى أدوات البناء والإعمار، وأن التعاون الاقتصادي هو الجسر الأقوى نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للجميع.