تتعدد الثقافة وتختلف من بيئة لأخرى، ومن ضمن تلك الثقافات ما يتداول بين المجتمعات بصيغة مختصرة (المثل)، حيث يعلب المثل دوراً حيوياً في تعزيز الحوار وزيادة مساحته عمقاً واتساعاً، وبصيغته المختصرة المعروفة عند الناس إلا أنه يوسع دائرة الحديث ويفتح مجالاً للحوار والتساؤلات، وهو من المكونات الثقافية اللسانية النشطة في كل المجتمعات، وقد تعددت مسارات المثل في البيئة العربية حيث يتناص مع الشعر، ومع بعض الأحداث والوقائع، ويرتبط أحياناً ببعض المواقف كحال هذا المثل (الرقص من شأن العباة)، ففي إحدى المناسبات الثقافية التي أقامتها جمعية حفظ التراث والعناية بالموروث (ديار) وذلك في محافظة المندق، فقد دار حديث مع الأستاذ إبراهيم بن يحيى الزهراني نائب رئيس الجمعية، وهو أحد المنظمين للاحتفال، حيث كان يقف إلى جوار بعض المحلات التي تعرض مجموعة من الحرف اليدوية وكان ضمن المعرض العباة النسائية وتسمى محلياً (الجبة) والتي حيكت بحرفية عالية وزينت بألوان زاهية على الطول والعرض، وقد تدلى من جوانبها كتل متوسطة الطول زادت من زهو جمالها، وتتماهى مع طبيعة الأنثى، الأمر الذي يفضي لعالم من الأنوثة حين تتزيأ بها المرأة، وكذا توحي بالذائقة الفنية في الحياكة، مع توازن تام لصباغة الألوان عند المرأة الباحوية، وفي طياتها ما يسعف لاستقراء الكثير من ملامح جمالها وحياكتها، وقد جاءت صورتها في سياق تحرير بصري يستدعي ثقافة وتاريخاً، ولعلي في هذا السياق أقدم ترسيماً جمالياً للجبة بالمعنى اللغوي فقط، لكن ذلك لا يغني عن واقع الوقوف على حقيقتها، حيث ذكر صاحب المعرض الشيخ عبدالله اللبزة في معرض حديثه أنها من المشغولات اليدوية القديمة الأمر الذي يؤهلها أن تكون حيكت في مطلع السبعينات الهجرية والتي يعمل على حياكتها بعض النساء في منطقة الباحة، وتابع الأستاذ إبراهيم الزهراني حديثة عن المثل الشعبي المتداول في المنطقة والذي نتخذ منه عنوناً لهذا المقال وقد ساق القصة ليصل إلينا سياق هذا المثل. إن الأمثال الشعبية تعد من أهم المكونات الثقافية، ويعد هذا المثل دارجاً في منطقة الباحة وتعود قصته إلى استدراج صاحب عباة جملية زاهية سرقت منه، مما استدعى السارق إلى توظيف حيلة مخاتلة لمحاولة السرقة، وذلك لاستعراض حالة احتفالية وفق سياق اجتماعي محبب للجميع (الرقص) ليكون هو الوسيلة الوحيدة للوصول للعباة، وقد نجح السارق في ذلك وسرق العباة، ولكي لا نخوض في سياق مطول للقصة التي تحتاج إلى طريقة سرد مختلفة بسمات معينة من خلال مفردات تكثف المعنى وبكيفيات تليق وسياق الأحداث، وما يلفت النظر هنا أن الأمثال الشعبية لها مسارات عميقة، ودائماً ما يكون لها قصة طويلة تستحق أن تروى وتتداول في السياق الجمعي، لأنها مرتبطة بمواقف مختلفة يجسدها حالة المثل واتجاهاته الاجتماعي والنفسي والذهني، لينتج بذلك واقعاً جديداً يتداوله المجتمع وتتناقله الأجيال. فالمثل يعكس حيوية المجتمع ومدى قدرته على التفاعل مع الأحداث، من خلال الصيغ القصيرة والمختصرة وبتعبير يمتد ويتسع لكل الكلام ليستحق أن يكون خالداً في ذاكرة المجتمع، وفي هذا السياق فإن رؤية المملكة قد اهتمت بشكل منقطع النظير بجميع تنوع الثقافات الممتدة على ثرا هذا الوطن، والمثل قد لا يكون أقل في الأهمية من غيره، لما له من سياق يمكن توظيفه في مسارات مختلفة ومتعددة، ولهذا ندعو من هذا المنبر كل المهتمين بالأمثال الشعبية إلى توظيفها بشكل مباشر في الفعاليات الثقافية حسب ما يقتضيه الوضع لتظهر لنا على شكل مشاهدات وصور متنوعة ليظل هذا الفن متداولاً بين الأجيال وننقله للآخر المختلف... وإلى لقاء.