حين ننظر إلى ما ُينشر في وسائل الإعلام، نكتشف أن الكثير من الكتاب والصحفيين يرسمون صورة للتوحد وكأنه قضية مرتبطة بالأطفال فقط، ُيذكر "أطفال التوحد" أو "طفل مصاب بالتوحد" وكأن الأمر ينتهي عند سن معينة، هذه النظرة ضيقة لا تعبّر عن الحقيقة الكاملة، فالتوحد حالة ممتدة ترافق الإنسان طوال حياته، ومواجهة التحديات تتغير بمرور الزمن. في السنوات الأخيرة، بات الأطفال المصابون بالتوحد يحظون بفرص أفضل من ذي قبل بفضل انتشار خدمات التدخل المبكر وإقامة مراكز متخصصة، لكن التحدي الأكبر يبدأ حينما يصل هؤلاء إلى المراهقة ثم الشباب، حيث تتناقص الخدمات، وتقل الفرص، وتزداد الحاجة إلى الرعاية والتوجيه. تشير الدراسات العالمية إلى أن التوحد يصيب ما يقارب واحداً من كل 40 شخصاً، وهذه النسبة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بل تنطبق أيضاً على الشباب والبالغين، ما يعني أن القضية ممتدة وشاملة لجميع الفئات العمرية بلا استثناء. ومع ذلك، فإن البرامج والخدمات غالباً ما تتركز في الطفولة، بينما الشباب والكبار يعانون من فجوة واضحة في تلبية احتياجاتهم. حين يعجز الشاب عن إيجاد بيئة يُمارس فيها نشاطاً تفرّغ طاقته، أو منصة يكتشف بها مواهبه، فإن العزلة الطويلة قد تؤدي إلى تحولات مقلقة، فقد ينزوي داخل البيت بلا عمل أو هدف، ومع تراكم الضغط النفسي قد يلجأ إلى العنف تجاه نفسه أو تجاه الآخرين، وهنا تعاني الأسرة بأكملها من أزمات نفسية واجتماعية، تتجسد في الاكتئاب أو التوتر أو الانهيار العائلي، فتتأثر جودة الحياة وتترنّح العائلة تحت عبء التحدي اليومي. من هذا المنطلق تحركت جمعية أسر التوحد عمليّاً فبدأت تنفيذ برامج نوعية تستهدف فئة الشباب، لا تقتصر على الأطفال فقط، منها برنامج "الشباب الرياضي" الذي نفذناه في بيوت الشباب التابعة لوزارة الرياضة، ليمنح هؤلاء الشباب فرصة ممارسة الرياضة في بيئة آمنة، وأسسنا أول نادٍ رياضي مخصص للشباب من ذوي التوحد، كما أطلقنا برنامج "ريشة طيف" لتنمية المهارات الفنية التشكيلية لديهم ولإتاحة الفرصة للتعبير والإبداع، وإلى جانب ذلك أقمنا برامج للتأهيل المهني لمساعدتهم على دخول سوق العمل وامتلاك القدرة على الاعتماد على الذات. إن التوحد قضية تمتد عبر العمر، ومن ينظر إليه من منظور الطفولة فقط يخسر نصف المعركة، لذلك لا بد أن نُعيد صياغة خطابنا الإعلامي والعملي ليتضّمن جميع مراحل العمر مع تركيز خاص على الشباب والبالغين من ذوي التوحد بتوفير مراكز تأهيل ذات جودة عالية، وأندية رياضية متخصصة، وبرامج تجمع بين الجانب النفسي والاجتماعي والمهني، لتكون بيئتنا شاملة وعادلة لهم ولأسرهم، ويحفظ مجتمعنا من تداعيات الإقصاء والعزلة. *رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد