في سبعينيات القرن العشرين، لاحظ العلماء أن مرضى سرطان الدم النقوي المزمن، لديهم خللٌ غريب في الكروموسومات، إذ وجدوا أن الكروموسوم رقم 22 أمسى أقصر من المعتاد، وأطلقوا عليه اسم كروموسوم فيلادلفيا، نسبة لاكتشاف ذلك في المدينة الأميركية عام 1960م. لاحقًا، اكتشف الباحثان "جانيت روولي" و"أوين وانغ" أن ذلك الانتقال الصبغي حدث نتيجة التبادل مع الكروموسوم رقم 9، وأدى ذلك إلى تكون جينٍ هجين BCR-ABL، الذي شفّر بروتيناً بفعالية عالية لإنزيم :"تيروزين كيناز"، الذي يبقى نشطًا، فيجعل الخلايا تنقسم بلا توقف، أي أنها خلايا سرطانية! في التسعينيات، بدأ علماء الصيدلة يصممون مركباً كيميائي قادراً على إيقاف نشاط هذا الإنزيم، هناك بالقرب من "بازل" السويسرية في معامل "سيبا جيجي"، ليعمل العالم الصيدلاني الألماني "نيكولاس لايدن"، على قيادة فريق علمي لتطوير جزيئات موجهه تثبط إنزيم BCR-ABL تحديدًا، دون أن تؤثر على بقية الإنزيمات في الجسم. بعد مئات المحاولات وأربعة مئة مركب واعد! واستخدام أساليب التصميم الجزيئي، التي تعتمد على معرفة شكل الإنزيم وبنيته الفراغية لتصميم جزئيات ترتبط به تحديداً وتؤثر عليه، توصلوا عام 1996 إلى مركب حَمل الرمز: STI-571، الذي سيُعرف لاحقًا باسمه العلمي "إيماتينب"، الذي أوقف انقسام خلايا سرطان الدم تماماً خلال التجارب على الخلايا، ثم جُرّب على الحيوانات فكانت النتائج مذهلة، ثم بعد عامين أجريت أول تجربة سريرية على البشر في مدينة أوريغون، والنتيجة كانت أقرب إلى المعجزة الطبية! ذلك أن أكثر من 90 ٪ من المرضى استجابوا إيجابياً للعلاج، وعادت خلايا دمهم إلى حالتها الطبيعية خلال أشهر قليلة! مع وجود عدد من العوارض الجانبية التي يجب التعامل معها، وفي مايو 2001، وافقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية على الدواء رسمياً، تحت الاسم التجاري "جليفك" لعملاق الأدوية "نوفارتس"، التي ظهرت نتيجة اندماج "سيبا جيجي" مع "ساندوس". كان متوسط عمر مريض سرطان الدم النقوي المزمن من ثلاث إلى خمس سنوات، لكن مركب "إيماتينب"، رفع ذلك إلى أكثر من 20 سنة! وكأنه مصاب بمرض مزمن يمكن السيطرة عليه بالأدوية، ونتيجة لذلك نال العلماء الثلاثة براين دروكر، نيكولاس لايدن، وتومويا ساواتسكي جوائز عالمية، أهمها جائزة لاسكر عام 2009، التي تعد مدخلاً للفوز بنوبل، كما حصل الدواء بعد نجاحاته على لقب "الدواء المعجزة" من مجلة تايم الشهيرة عام 2001م. ومنذ ذلك الوقت، أصبح "إيماتينب" رمزاً لبداية عصر العلاجات الموجهة في علاج السرطان، اعتماداً على استهداف الجينات المسببة لأنواع مختلفة من السرطان وفتح الدواء الباب أمام سلسلة من الأدوية المشابهة التي تستهدف الطفرات السرطانية، مثل "سبراتينيب" و"نيولوتينيب" وغيرها.