أكدت الأخصائية والباحثة الاجتماعية هيفاء العبلاني أن شعار اليوم العالمي للصحة النفسية لعام 2025م، "الوصول لخدمات الصحة النفسية في الأزمات والكوارث"، يعكس الوعي العالمي المتزايد بأهمية تضمين الرعاية النفسية ضمن خطط الاستجابة للكوارث والطوارئ، مشيرة إلى أن التجارب الإنسانية أثبتت أن الأثر النفسي للكوارث لا يقل خطورة عن الأثر المادي، بل يمتد أثره لسنوات طويلة إذا لم يعالج بطريقة علمية ومنهجية. وقالت "العبلاني" إن الصحة النفسية لا يجب أن تكون هامشا في منظومات الطوارئ، بل محورا رئيسا في أي خطة وطنية أو إقليمية تنى بالتعامل مع الأزمات، لافتة إلى أن الأزمات والكوارث سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن حروب أو أزمات صحية عامة تخلف وراءها ضغوطا نفسية حادة تتفاوت آثارها بين القلق، واضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وفقدان الإحساس بالأمان، ما يستدعي تدخلا مهنيا سريعا ومدروسا. وأضافت أن شعار هذا العام جاء ليؤكد على الحق الإنساني في الوصول إلى خدمات الصحة النفسية دون تمييز، خاصة للفئات الهشة كالنساء والأطفال وكبار السن والعاملين في الصفوف الأمامية الذين يواجهون مخاطر مضاعفة أثناء الأزمات. وأشارت إلى أن الدعم النفسي في هذه الحالات لا يقتصر على جلسات علاجية، بل يشمل بيئة آمنة، واستماعا واعيا، وبرامج تأهيل اجتماعي تضمن للمصابين العودة إلى الحياة الطبيعية بأمان وكرامة. وبينت العبلاني أن التحدي الأكبر الذي يواجه العالم اليوم هو الفجوة في الخدمات النفسية خلال الطوارئ، حيث ما زالت كثير من المجتمعات تعتبر الدعم النفسي ترفا أو خيارا مؤجلا ، مؤكدة أن الاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار في التعافي والاستقرار المجتمعي. وشددت "العبلاني" على أن بناء منظومة متكاملة للصحة النفسية في الأزمات هو مسؤولية تشاركية بين الجهات الصحية والتعليمية والإعلامية والمجتمعية، وأهمية التوعية المستمرة وتدريب الكوادر على الإسعافات النفسية الأولية، بما يسهم في تحقيق مجتمع أكثر تماسكًا واستعدادًا لمواجهة الأزمات بثبات وصمود. ونوهت إلى أن المملكة قدمت نموذجا رائدا في مجال الدعم النفسي محليا ودوليا ؛ فعلى الصعيد الداخلي، تعددت البرامج الوطنية المتخصصة في الإسعافات النفسية الأولية، ودعم المتأثرين بالكوارث الصحية والطبيعية، وتدريب الكوادر الصحية والأمنية والتعليمية على التعامل مع الاضطرابات النفسية في الميدان. كما تم إنشاء وحدات دعم نفسي داخل المستشفيات ومراكز الإيواء لتقديم خدمات عاجلة أثناء الأزمات مثل جائحة "كوفيد-19" والسيول والحوادث الكبرى. أما خارجيا ، فقد امتد عطاء المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي نفذ عشرات البرامج في اليمن، ولبنان، والسودان، وفلسطين، وسوريا، وتركيا، تضمنت جلسات دعم نفسي جماعية وفردية للأطفال والنساء، وتدريب كوادر محلية على برامج التأهيل النفسي والاجتماعي، مما ساهم في تخفيف معاناة آلاف المتضررين من الحروب والكوارث. وأكدت العبلاني أن البعد الاجتماعي لا يقل أهمية عن الجوانب الصحية والنفسية أثناء الأزمات، إذ تعد شبكات الدعم الأسري والمجتمعي خط الدفاع الأول أمام الانهيارات النفسية. فالمجتمع المتماسك، كما تقول، هو القادر على احتواء الصدمات وتقليل آثارها طويلة المدى عبر ممارسات بسيطة لكنها مؤثرة، مثل التكافل، والتطوع، والاستماع المتبادل، وإعادة بناء الثقة بين الأفراد. وأضافت أن تمكين المجتمع من مهارات "الإسعاف النفسي الأولي وتعزيز قيم المشاركة المجتمعية في الاستجابة للأزمات يسهم في خلق بيئة أكثر احتواءً وقدرة على التعافي الجماعي.