خلال العقد الأخير شهدت القوات المسلحة الصينية، تحولاً سريعاً وشاملاً في بنية قوتها وعتادها، من إعادة تنظيم قياديّة إلى توسيع نوعي في نظم الأسلحة الفضائية والبحرية والنووية والسايبرية. أهداف بكين واضحة: الانتقال من قوة إقليمية تقليدية إلى قوة متعددة الأبعاد قادرة على العمل بعيدة المدى والدفاع عن مصالحها الإقليمية والعالمية، مع إضعاف قدرة الخصم على التدخّل الفعّال، وخلق عوامل ثُقل ردعية في مواجهة الولاياتالمتحدة وحلفائها، هذه الصورة لا تُبنى على حدث واحد بل على تراكم سياسات ميزانية وتصدير تكنولوجيا واستثمارات طويلة الأمد في البحث والتطوير. ولقد تجاوزت الصين مرحلة التحديث السطحي إلى بناء منظومات متكاملة ومتنوِّعة من الأسلحة، مع تركيز واضح على القدرات البعيدة والردع المتعدد الوسائط. المزايا: قاعدة صناعية ضخمة، تمويل مستمر، استراتيجية دمج مدني-عسكري متقدمة، وسعي لتقنيات متقدمة كالهايبرسونيك والفضاء والحرب الإلكترونية. القيود: الاختبار التشغيلي ونضوج بعض الأنظمة، واعتماد جزئي على تقنيات متخصّصة ما زال يمثل تحدياً، وفق تقارير دولية وحكومية مفتوحة، يتوقع أن يستمر نمو قدرة الصين العسكرية خلال العقد المقبل، ما يطرح من جديد حاجة ضبط العلاقات الدبلوماسية ومخططات الحدّ من التصعيد الإقليمي. توسيع وترقية المثلث النووي أصبحت قضية التوسع النووي الصيني واحدة من أبرز عناصر النقاش الدولي في السنوات الأخيرة، تقارير متعددة تشير إلى زيادة ملموسة في مخزون الرؤوس الحربية والوسائط الحاملة، صاروخية برية، غواصات ذات صواريخ باليستية، وصواريخ عابرة جوّية هَجينة (مثل: منصّات المناورة-الهايبرسونيك). بكين عملت على تنويع أعلى دقة وإمكانيات التوجيه والرؤوس المتعددة لتقليل قابلية اعتماد مراكزها على قنابل مفردة، ولرفع قابلية البقاء على مستوى الترسانة، بما في ذلك نشر صواريخ متنقلة وصواريخ بحرية جديدة. سباق الدقّة والقدرة على المناورة صناعة الصواريخ الصينية تطورت من ناحية الكم والنوع: صواريخ مثل DF-41 تعد من أقوى الصواريخ البرية العابرة للقارات لدى الصين، بينما منصة DF-17 تعتبر أمثلة على الجمع بين صاروخ دفع أولي وحمل مُنعطف (boost-glide) لاختراق منظومات الدفاع الصاروخي. بالإضافة لذلك، بشأن الهايبرسونيك، كشف المجتمع الاستخباراتي وخبراء أن بكين طوّرت ونفذت اختبارات لمنصات يمكنها المناورة بسرعات عالية جدّاً، ما يثير مخاوف حول قدرة أنظمة الاعتراض التقليدية على اكتشافها واعتراضها. هذه القدرات لا تزال فيها أسئلة حول مدى النضج التشغيلي لكنها بلا شك جزء من استراتيجيات استباقية. بناء أسطول أزرق اللون وقدرات متقدمة لحاملة الطائرات خطة التوسعة البحرية عند الصين من أبرز أركان تحديث السلاح، الاعتماد على فرقاطات وقطع سريعة ومدمّرات مجهزة بصواريخ مضادة للسفن والبر والجو مع تطوير واضح لسفن الإنزال واللوجستيات بعيدة المدى يهدف إلى خلق قدرة تشغيلية في المحيطات. العلامة الفارقة: حاملة الطائرات «فوجيان» (Type 003) — والتي تُعتبر نقلة نوعية بسبب إدراجها لنظام إطلاق كهرومغناطيسي (EMALS) بدلاً من الطرَب (ski-jump)، ما يتيح إطلاق طائرات أثقل ذات قدرات شبحية واستطلاع جوي متقدم. هذا يؤثر مباشرة على مدى قدرة الصين على إجراء عمليات جوية بعيدة عن سواحلها، كما أن بكين تستثمر في الغواصات (SSBN/SSN) لتعزيز الردع البحري. الطائرات الشبحية والقدرات المؤتمتة برنامج المقاتلة الشبحية J-20 دخل مرحلة الإنتاج والعملانية، وتعمل الصين على إدخال تحسينات مستمرة لأنظمة الرادار والاقلاع من الحاملات (J-35 مذكور في تجارب الحاملات). إضافة لذلك، الطائرات المسلحة غير المأهولة (UAVs) والطائرات المنخفضة التكلفة مع صواريخ دقيقة أصبحت جزءاً مهماً من التفكير العملياتي لدى PLA: استخدامها في الاستطلاع، قصف الدقة، وكذلك كمكوّن لعمليات التشويش والحرب الإلكترونية. التطوير في شبكات القيادة والسيطرة وأجهزة الاستشعار المتكاملة يجعل من سلاح الجو منظومة متصلة وقابلة للعمل المتزامن مع البحرية والبرّ والقوى الصاروخية. الفضاء والقدرات المضادة الفضاء بات ميداناً تنافسياً أساسياً، بكين استثمرت بكثافة في تطوير أقمار اصطناعية استطلاعية، نظم GNSS (مثل: BeiDou) التي تمكّن دقّة توجيه وتسليح محلي، فضلاً عن تجارب مقاومة الأقمار (ASAT) وقدرات مضادة للأقمار الأخرى مثل: التشويش والهجوم السيبراني على بنى الاتصالات الفضائية. هذه القدرات تُستخدم لحماية شبكات القيادة والسيطرة ولإضعاف قدرة الخصم على الاتصالات الميدانية والاعتراض. التقارير الغربية تشير إلى أن الصين تعمل على تكامل بين الفضاء والقدرات القيادية الأرضية لتوفير تفوّق استخباراتي وعملياتي. السايبر والقدرات الكهرومغناطيسية الاستثمار في الحرب الإلكترونية والقدرات السيبرانية جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الشاملة، القدرة على تعطيل الاتصالات، اختراق شبكات العدو، أو حماية البنى التحتية الحساسة أصبحت من أولويات بكين، جيش التحرير الشعبي بنى وحدات متخصصة في العمليات الشبكية والكهرومغناطيسية تعمل بالتكامل مع الهجمات التقليدية، مما يسمح بتنفيذ ضربات متزامنة على نظم دفاع العدو قبل أو أثناء عمليات تقليدية على الأرض أو البحر. من الاعتماد إلى الاستقلال أحد عوامل القوة لدى الصين هو قاعدة الصناعة الكبيرة وقدرتها على التحوّل إلى إنتاج واسع النطاق: مصانع مكوّنات إلكترونية، وشركات فضاء، وبعثات بحث وتطوير مشتركة بين القطاعين المدني والعسكري. هذا النهج قلّص الاعتماد على إدخال مكوّنات حساسة من الخارج ورفع زمن الاستجابة للإنتاج السريع للعتاد أو تحديثه. مع ذلك، القيود التصديرية من الغرب لا تزال تؤثر على بعض تقنيات الرقائق الدقيقة والمواد المتقدمة، وهو ما يدفع الصين إلى تسريع تطوير بدائل محلية. نقاط الضعف والشكوك التشغيلية رغم التقدّم النوعي، لا تزال لدى PLA نقاط ضعف: الخبرة العملياتية الطويلة المدى مقارنة بالبحرية الأميركية محدودة، بعض الأنظمة قد تكون قيد الاختبار ولم تُحكَّم بعد في بيئات قتالية حقيقية، وهناك تحديات في سلاسل التوريد الدقيقة (مثل: رقائق الطيران الحساسة) وبعض أجزاء التكنولوجيا المتقدمة. كما أن الفعالية الحقيقية لبعض الأنظمة — خصوصاً الهايبرسونيك ومزاعم اختراق الدفاعات — تظل محل نقاش بين خبراء المخابرات والبحث، إذ إن ما يُعرض إعلامياً أو حتى من اختبارات محدودة لا يوازي بالضرورة القدرة التشغيلية الواسعة الموثّقة. تقديرات مراكز الأبحاث والدراسات التقارير الأميركية وزارة الدفاع الأميركية ومراكز مثل RAND وCSIS ركزت على الزيادة السريعة في الترسانة النووية الصينية، ورأت أن بكين تنتقل من «استراتيجية الردع المحدود» إلى «استراتيجية الكم والنوع معاً». لكنها تشدد على وجود فجوة تشغيلية؛ فالمستوى العملي للخبرة والاندماج بين الفروع لا يوازي حجم التوسع العددي. المراكز الأوروبية مراكز مثل: IISS وSIPRI وEUISS ترى أن التطور الصيني يغير ديناميكيات الأمن العالمي، لا سيما في البحر والفضاء. وتُظهر دراساتها أن الصين باتت لاعباً محورياً في سباق التسلح النووي الحديث، مع مخاطر على منظومات ضبط التسلح. التقارير الأوروبية تحذر أيضاً من التعاون الصيني والروسي الذي يعزز نقل التكنولوجيا وتكامل القدرات. الرؤية الروسية التحليلات الروسية (RIAC وCAST) تطرح التطور الصيني كعامل إيجابي للتوازن العالمي، وتشير إلى فرص التعاون الصناعي والعسكري بين موسكووبكين، خاصة في مجالات الغواصات والتقنيات الجوية، لكنها تتجنب نقد القدرات التشغيلية للصين، معتبرة أن أي فجوات يمكن تعويضها عبر الشراكة. الصين تستعرض أسلحتها الحديثة أمام العالم شكّلت المراسم التي أُقيمت رسمياً لإحياء مرور ثمانين عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، فرصة للرئيس الصيني شي جينبينغ، لاستعراض قوة الصين العسكرية وجمع قادة تربطهم علاقات وديّة، على أمل إيصال رسالة لباقي العالم بقوة أولئك القادة واستعداداتهم الهائلة لمواجهة الغرب. وفي مستهلّ العرض، حذّر الرئيس الصيني، من أن العالم ما زال «يواجه خياراً بين السلم والحرب»، لكنه شدد على أن الصين «لا يمكن وقفها». وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية: استعرضت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي خصصت نحو 186 مليار جنيه إسترليني لميزانيتها الدفاعية لعام 2025، خلال العرض عدة أسلحة جديدة فريدة من نوعها، أبرزها: صواريخ واي جي YJ الأسرع من الصوت عرض الجيش الصيني صاروخ YJ-15 الجديد، إلى جانب صواريخه الأسرع من الصوت: YJ-17، وYJ-19، وYJ-20 الموجودة مسبقاً. ويمكن إطلاق صواريخ YJ، وهي اختصار ل«Ying Ji» أو «هجوم النسر»، من السفن أو الطائرات، وهي مصمَّمة لإلحاق أضرار بالغة بالسفن الكبيرة. وتتقدم الصين بسرعة في تكنولوجيا الأسلحة الأسرع من الصوت، وهو مجال جذب انتباهاً عالمياً، لقدرتها على التهرب من أنظمة الدفاع التقليدية. مركبات بحرية مسيَّرة كبيرة الحجم وعرضت مركبتان مسيّرتان جديدتان وكبيرتان جداً على شكل طوربيد هما: AJX002 و HSU100 محمولتان على متن شاحنتين طويلتين. وأشار المحلل المتخصص في شؤون الدفاع أليكس لاك إلى أن تصميم الأولى، التي يُقدر طولها بنحو 60 قدماً (18 متراً) يوحي بأنها «استطلاعية» على الأرجح، فيما الثانية «أكثر غموضاً لكن يُقال إن لديها القدرة على زرع الألغام». ورغم أن الصين ما زالت متخلّفة عن الولاياتالمتحدة في القوة البحرية السطحية، حسب «نافال نيوز»، فإن لديها أكبر برنامج في العالم ل«المركبات الكبيرة جداً غير المأهولة تحت الماء» XLUUVs، وقد أنتجت منها خمسة طرازات وجربتها ووضعتها في الخدمة. صواريخ باليستية عابرة للقارات عرضت الصين ثلاثة أنواع من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية وهي: دي إف 61، ودي إف 31، ودي إف سي 5. كما كشف الجيش الصيني عن أول صاروخ نووي يُطلق من الجو، وهو JL-1، والذي عُرض على متن شاحنة عسكرية. ويُمثل عرض الصاروخين JL-1 وJL-3، إلى جانب الصاروخين دي إف 61، ودي إف 31، «أول كشف مُركّز للقوة النووية الاستراتيجية البرية والبحرية والجوية للجيش الصيني»، وفقاً لقناة «سي سي تي في» الصينية الرسمية. ويُقدّر مدى صاروخ دي إف سي 5 بأكثر من 20 ألف كيلومتر، ويتميز بتحسينات كبيرة في اختراق الدفاعات ودقتها. وقالت وسائل الإعلام الرسمية إن «هذا الصاروخ النووي الاستراتيجي العابر للقارات يُغطي الكرة الأرضية بأكملها، وإنه قادر على حمل ما يصل إلى 12 رأساً حربياً». نظام دفاع فضائي عُرض نظام الدفاع الفضائي HQ-29، القادر على إسقاط الأقمار الاصطناعية الأجنبية، لأول مرة في العرض العسكري، في استعراض بارز للقوة الجوية. أسلحة تعتمد على الليزر وحظي سلاح قوي وصفه حساب على منصة «إكس» مرتبط بالجيش الصيني بأنه «نظام الليزر للدفاع الجوي الأكثر قوة في العالم»، باهتمام بالغ. وشوهدت عدة أجهزة غريبة كبيرة بيضاء اللون بشاشات زرقاء «إل واي-1» محمولة على متن عربات عسكرية طويلة. وقال لاك لوكالة الصحافة الفرنسية: «رأينا هذه التشكيلة أول مرة العام الماضي خلال أغسطس (آب) لكن ليس بصور واضحة»، مضيفاً أن أجهزة «إل واي-1 المثبّتة على السفن تبدو كأنها على الأقل في مرحلة الاختبار المتقدمة». ويمكن لهذه «الأسلحة ذات الطاقة الموجّهة» التي تنشرها الولاياتالمتحدة أيضاً، أن تتسبب في أضرار بالغة بواسطة ضربة واحدة منخفضة التكلفة وعالية الدقة. مركبات غير مأهولة إضافة إلى المسيّرات المستخدمة تحت سطح البحر، عُرضت عدة مركبات غير مأهولة بما في ذلك مراكب سطحية يمكن استخدامها في عمليات عسكرية بحرية. وقال لاك إنه يمكن استخدام هذه المسيَّرات كمركبات مأهولة أيضاً ل«تدخل وتخرج من المواني» ويرجّح أنها مخصصة لحرب الألغام، خصوصاً إزالة الألغام، كما عُرضت عدة طائرات مسيّرة ومركبات بريّة تملك مجموعة متباينة من القدرات بما في ذلك الإجلاء ونقل المؤن والذخيرة والاستطلاع. الأثر الاستراتيجي الإقليمي والدولي تحديث السلاح الصيني يعيد رسم خرائط القوة في المحيط الهادئ وآسيا عموماً، دول الجوار تعيد تقييم سياساتها الدفاعية، والولاياتالمتحدة وحلفاؤها يزيدون من إنفاقهم الدفاعي ومشروعات التعاون الإقليمي (مثل: تقوية قواعد بحرية، مبيعات أسلحة، وجود بحري وجوي)، بينما تتزايد المحادثات الدولية حول الحد من سباق التسلح النووي والفضائي وتقنين التقنيات الانتهازية. التوازن الاستراتيجي لم يعد محصوراً بالمناورات التقليدية بل بات يشمل القدرة على تعطيل البنى التحتية الوطنية والفضائية والرقمية. المركبة البحرية المسيرة طائرات الإنذار المبكر «600»