في يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351ه الموافق 23 سبتمبر 1923م، اليوم الذي أعلن فيه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- توحيد البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية، هو لحظة فارقة تحول فيه الشتات الى وحدة، والحلم إلى حقيقة. ومنذ تلك اللحظة، صار هذا اليوم ذكرى ميلاد وطننا الذي يسكن القلوب قبل أن يُرسم على الخريطة. تتجلى أهمية اليوم الوطني السعودي في وجدان كل مواطن سعودي، إذ أصبح رمزًا للانتماء والوحدة. في اليوم الوطني السعودي، نحتفي بوطنٍ يشبه «المتحف الحيّ» في حيويته، وتنوعه، وثرائه الذي لا يُحصى، من مدائن صالح (الحجر) التي تحفظ التاريخ، إلى وادي حنيفة وحي الطريف بالدرعية التي روت بدايات هذا الوطن، من صمت العلا المهيب إلى أصوات المآذن في مكةالمكرمة، من قصر المصمك وحارات نجد القديمة حيث عبق التاريخ، إلى أبراج الرياض التي تعانق السماء، ومن جدة التاريخية وسواحلها الرحبة إلى صحراء الربع الخالي الممتدة، ومن واحة الأحساء إلى قريتي ذي عين ورجال ألمع، ومن الفنون الصخرية ووادي الديسة في الشمال إلى جبال فيفا وقمم السودة بالجنوب، في كل مدينة حكاية، وفي كل قرية تاريخ، وكل إنسان على هذه الأرض الطاهرة الطيبة جزء من هذه الرواية الكبيرة. الثقافة هنا مادة حيّة في «متحف الوطن» الكبير تتجلى في حياة الناس وتفاصيل يومهم. ولعل هذا التنوع الثقافي الفريد هو ما يمنح المملكة طابعها الخاص، ويظهر جليًا في مظاهر الاحتفال باليوم الوطني. تضم المملكة تنوعاً لا يُعد من التعابير الثقافية التي تميزها، وحين يحل اليوم الوطني، تكتسي الشوارع بالأخضر وتمتلئ الأرواح بوهج الانتماء. الشعور بالوطنية يتجسد في تفاصيل الحياة اليومية التي تحمل معها معاني كبيرة، في صنع الطعام السعودي، في لبس العباة والبشت، في فنون العرضة، في العمارة والنقش، في الزخارف وأنسجة السدو، في مذاق القهوة السعودية التي تُحمص بروّية وتُقدَّم بكرم، في رائحة الهيل الممتزجة بالحكايات والقصائد. كلها عناصر متداخلة تعكس ملامح الهوية الوطنية، وتُظهر أثر البيئة والعادات والأعراف والذوق السعودي الأصيل في صياغة الثقافة. هذا اليوم تذكير بأن الوطن يسكن القلوب مهما اختلفت الأماكن ومهما ابتعدت المسافات. إنه الإحساس الذي يلازم المواطن عندما يتناول وجبة سعودية في بلد بعيد فيستعيد دفء البيت، وهو الفخر الذي يملأه حين يرى العلم السعودي يرفرف في محفل عالمي، حاملاً تاريخاً من الكرامة والعطاء. الفرحة بمعنى اليوم الوطني تتجلى في أغنية كلاسيكية تعيد إلى الذاكرة حنين للوطن، في مشروع وطني جديد يُولد حاملاً هوية سعودية مع روح العصر، إنه يوم يجمع الجميع في وحدة واحدة. ورغم التغيرات العالمية المتسارعة، تظل المملكة واحدة من قلائل الدول التي حافظت على هويتها المتفردة وسط هذا التنوع الثقافي العالمي. العالم الذي تحول بالمعنى المجازي إلى «قرية صغيرة» تتشابه تفاصيله من شرقه إلى غربه وتؤثر فيه ثقافة واحدة في التعبير والأفكار والذوق واللباس والطعام والهوايات. أما المملكة فقد احتفظت بتفرّدها، ولم تفقد هويتها وسط الزحام، ولم تنغلق على نفسها خشيةً على أصالتها. إنما استندت إلى جذورها العميقة ووجهت نظرتها نحو المستقبل، وظلت وفيّه لتاريخها، ماضيةً في البناء والتجديد «عزّنا بطبعنا وأصالتنا.» وفي هذا التوازن بين الاصالة والمعاصرة تتجلى قوة حضور المملكة عالمياً حيث يظل تراثها حاضراً في الوجدان، بينما تصنع منجزات نهضتها واقعاً جديداً يواكب العصر. ولتبرهن على أن العمق التاريخي يمكن أن يكون مُنطلقاً للتطور، وأن الهوية الأصيلة قادرة على مرافقة العصر واستشراف آفاقه. لذا تظل المملكة حكاية متجددة لا تعرف نهاية، يزداد «متحفها الحضاري» ثراءً في كل يوم بإنجاز جديد، ويثبت في مواجهة التحديات أنّه هوية أصيلة ورؤية مستدامة تصنع المستقبل.