من أهم ما نواجه به حسّادَ المملكة الاستعاذة بالله من شرورهم، والدفع به في نحورهم، والائتمار بما أمرَنا به من الوحدة واجتماع الكلمة، وذلك بالالتفاف حول قيادتنا الرشيدة، واحترام الأنظمة المقررة لحماية مصالحنا، وتقوية مشاعر الانتماء للوطن، والحرص على مصالحه، ومراعاة مبادئ وقيم المجتمع، والابتعاد عن كل ما يمسُّ أمن الوطن ومقدراته.. تمرُّ بنا في هذه الأيام ذكرى كريمةٌ، ومناسبةٌ ميمونةٌ على وطننا الغالي، ألا وهي ذكرى توحيد المملكة العربية السعودية، على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه-، وجزاه عنّا خيرَ الجزاءِ، وأدام علينا هذه النعمةَ التي أجراها على يديْه، وقد قامَ صقر الجزيرة وحامي الحمى بهذه الخطوة المباركة في ظرفٍ عالميٍّ بالغِ الحساسيّةِ، ووضعٍ إقليميٍّ لا يتصدّى لمعالجته إلا أفذاذ الرجال، وبذل في تحقيق هذا الهدف النبيلِ جهوداً فريدةً من نوعِها، ولم يزل يتغلّب على العقباتِ واحدةً تلو الأخرى، حتى ألقت إليه الأمور بأزمّتِها، وشفى الله تعالى على يديه هذه البلادَ من اختلافاتٍ مزمنةٍ، وأزماتٍ خانقةٍ؛ فحقيقٌ بالمواطنِ السعوديِّ أن يسعدَ بهذه المناسبةِ، وأن يفتخِرَ بجهود جلالة الملك موحّدِ هذه البلاد، وأن يتذكّر أين كانت البلاد قبل انتجاز توحيدها، وإلى أين صارت بعد ذلك، والفرق الشاسع بين الحالتين لا يحتاج إلى نظرٍ واستنتاجٍ، بل هو ماثلٌ للعيانِ، بدهيٌّ لكلِّ مميّزٍ، وعلى كلٍّ منا أن يستحضرَه دائماً؛ لتجديد الشكرِ لله تعالى، فله الحمد والشّكر والمنّة، ثم لشكرِ من بذلَ فيه الجهودَ، وللاجتهادِ في استدامةِ هذه النّعمةِ، والاعترافِ بأنّها نعمةٌ جليلةٌ لا يسوغُ التفريطُ فيها، ولي مع نعمةِ توحيد الوطنِ وقفاتٌ: الأولى: من أعظم نعمِ الله تعالى على عباده أن يجمع كلمتَهم على الحقِّ؛ لأن في ذلك اجتماعَ مصلحة دار المعاش ودار المعادِ، وقد منَّ الله تعالى علينا بهذه النعمةِ، فكانت وحدةُ بلادنا -وما زالت- على الحق، مترسّمةً المنهج الشرعيّ في الاعتدال والوسطيّةِ، وقد بارك الله تعالى لنا في توحيد هذه البلادِ وما تبعه من سياسات قيادتنا الرشيدة، وجعل ذلك مفتاحاً للخيراتِ، مغلاقاً للمشكلاتِ، فأُمِّنت الطرق، وتآلفت القلوب، واتسعت الأرزاق، وعمَّ الرخاءُ، وقد كانت الأوضاع قبل توحيد البلادِ على العكس من ذلك، فالطرقات مخوفةٌ، والنزاعات كثيرةٌ، والأرزاق شحيحةٌ، والفوضى سائدةٌ، والانتقال من هذه الحالة إلى الحالة الأولى من أكبر النعم التي تستوجب الشكرَ، وقد امتنَّ الله تعالى بها على الرعيل الأول من هذه الأمةِ فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)، وأمثال هذه النصوص تُعَلِّمُنا أن من رزقه الله تعالى العافية، فعليه أن يتذكّر أن للعافية ندّاً آخر، وهو البلاء، وعليه أن يستديمَ أسبابَ العافية حتى لا يكونَ مهدِراً لهذه المنحةِ التي يتمناها غيره، كما أنّ عليه أن يتحرّز من الأسبابِ الجالبَة للبلاء. الثانية: من أهمِّ أسباب القوة أن يكون للمجتمع ماضٍ مَجيدٌ، وحاضرٌ زاهرٌ، ومستقبلٌ واعدٌ، وأن يُحسنَ التّعاطيَ مع هذه الأسس المتينة، فتكون له نظراتٌ متوازيةٌ في نفس الوقتِ، فمنها النظرةُ إلى مجدِ ماضيه، فينظر إليه على أنه إرثٌ لا يمكن التفريطُ فيه، وأن بقاءه ناصعاً أمانةٌ يؤتمن عليها كل جيلٍ، ومن الوفاءِ لأجيال الأجداد والآباء أن يُحافَظَ على ما أنجزوه، ومنها النّظرةُ إلى حاضره الزّاهر، فينظر إليه على أنه مكسبٌ ناتجٌ بتوفيق الله تعالى ثمَّ عن جهودٍ جبَّارةٍ قديمةٍ وجديدةٍ، وعلى جيلِ اليومِ أن يرفع سقف هذا المكسبِ، وأن يتغلّب على كل المصاعب التي تواجهه في سبيل تحقيق ذلك، ومنها النظرةُ إلى مستقبله الواعدِ، فينظر إليه نظرةَ الواثق المتوكِّلِ على الله تعالى، المتسلّح بعزمٍ لا يعرف الاسترخاءَ، وحزم لا يقبل الفتورَ، وأن يُعِدَّ العُدة لما يستجدُّ من التحدّياتِ، حتى لا تفاجئه على حينِ غرّةٍ بدون الأخذِ بالأسبابِ الكفيلة بمعالجتِها، وهذه النظراتُ الثلاثُ من مظاهر قوة الأمم وحضارتها، وها نحنُ -بحمدِ الله تعالى وحسن توفيقه- نرى مجتمعنا المبارك في دولتنا الميمونة المملكة العربية السعوديةِ، يجمع بين هذه النظراتِ، فنراه يحتفي بماضيه المجيد في اليوم الوطني، ويحافظ على حاضره، ويخطط لمستقبله الواعد بإذن الله تعالى. الثالثة: نعمة توحيد هذه البلاد لم نزل نُحسدُ عليها، ويتنامى هذا الحسد بتنامي ثمراتها من استقرار المملكة وازدهارها، وتحقق تطلعاتِ أبناء الوطن، ولا ينفكُّ ذو نعمة عن حاسد، لكن لا ينبغي لذي النعمة أن يغفل عن مكر الحاسد، ومن أهمِّ ما نواجه به حُسَّادَ المملكة الاستعاذة بالله من شرورهم، والدفع به في نحورهم، والائتمار بما أمرَنا به من الوحدة واجتماع الكلمة، وذلك بالالتفاف حول قيادتنا الرشيدة، واحترام الأنظمة المقررة لحماية مصالحنا، وتقوية مشاعر الانتماء للوطن، والحرص على مصالحه، ومراعاة مبادئ وقيم المجتمع، والابتعاد عن كل ما يمسُّ أمن الوطن ومقدراته، وبإذن الله تعالى وحسن توفيقه، ثم الأخذ بهذه الأسباب تدوم لنا النعمة، وتدوم الحسرة لمن حسدنا عليها، فيكون حالنا وحاله كما قال القائل متحدثاً عن حُسّاده: فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمُ وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ..