في الثالث والعشرون من سبتمبر، تستيقظ الذاكرة على وقع خطى المؤسس، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهو يخترق بقلبه قبل قدميه صحراءَ شاسعة، وحلمٌ كبير يُضيء دربه. كانت الرمالُ شاهدة على ولادة أمة، وسماءُ الجزيرة العربية تروي قصة كفاحٍ لم ينتهِ عند التأسيس، بل كان مجرد بداية لوطنٍ سيصبح أعجوبة القرن. تسعة عقود ونصف والعزيمةُ نفسها، والإرادةُ ذاتها، لكن الهوية تتجدد كالنخلة التي تظلّ جذورها ثابتةً في الأرض بينما تُعطي ثمارًا جديدة كل عام. لقد حوّلت المملكة تراب الصحراء إلى ذهبٍ من خلال رؤى قياداتها، الذين لم يرضوا بالتحوّل الاقتصادي فحسب، بل طمحوا إلى تحوّلٍ ثقافيٍ واجتماعيٍ يليق بإرث هذه الأرض المقدسة. وجاءت رؤية 2030 كالنسيم الذي أيقظ الأحلام الكبيرة، فتحوّلت المملكة إلى ورشة عملٍ ضخمة، تبنى فيها المدن الذكية، وتُفتتح فيها الآفاق الجديدة للفنون والابتكار، وتُكرّم فيها المرأة كشريكٍ أساسي في صناعة المستقبل. لم تعد المملكة دولة نفطٍ فقط، بل أصبحت دولة أفكارٍ، وإرادة، وإنجاز. ها هي اليوم تقفز فوق حواجز الزمن، فتطلق مشاريع مثل «نيوم»و»البحر الأحمر» و»القدية»، وكأنها تقول للعالم: «مستقبلنا لا يُنتظر، بل يُصنع بأيدينا»، وفي كل زاوية من زوايا الوطن، ثمة قصة نجاحٍ تُروى، من طالبٍ أصبح مخترعًا، إلى فتاةٍ تقود الطائرات وتقود التغيير. وما زال الطموحُ يتنفس أحلامًا أكبر، فالمملكة تتجه نحو الفضاء، وتستثمر في الطاقة الخضراء، وتبني جسورًا من الحضارة بين الماضي العريق والمستقبل المتألق. إنها لا تسابق الدول فحسب، بل تسابق ذاتها، كي تثبت أن العظمة ليست في الوصول، بل في الاستمرار في العطاء. ففي الذكرى الخامسة والتسعين، نحن لا نحتفل بماضٍ انتهى، بل نستلهم منه قوةً لمستقبلٍ يلوح في الأفق، بمزيدٍ من المجد، ومزيدٍ من الإنجازات، لأن هذه الأرض لم تكن أرضًا عاديةً أبدًا، بل كانت دائمًا أرض المعجزات، وتبقى السعودية.. وطنٌ يُشرِّف الانتماء إليه، وحلمٌ لا يتوقف عن التحقق.