افتتح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى بخطاب حمل دلالات واضحة حول موقع المجلس في البنية السياسية السعودية.. منذ تأسيسه، ظل المجلس بمثابة منصة للتشاور وتطوير الأنظمة، وها هو اليوم يكتسب بعدًا جديدًا بوصفه رافدًا مؤثرًا في رسم السياسات العامة وتحديث التشريعات بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030. الخطاب أظهر حرص القيادة على أن يكون المجلس ليس فقط جهازًا تشريعيًا بل شريكًا فاعلًا في توجيه التحولات الوطنية، إذ جاء التأكيد على دوره كجسر بين القيادة والمجتمع، وعلى مسؤوليته في تقديم الرؤى والمقترحات التي تعكس احتياجات المواطن وتطلعاته. بهذا المعنى، يصبح المجلس شاهدًا على التغيير وفاعلًا فيه، وهو ما يجعل حضور ولي العهد في افتتاح أعماله رسالة دعم مباشر لمكانته ودوره المحوري في المستقبل. ولعل لغة ولي العهد وعبارة "الإخوة والأخوات" بدت مزيجًا من الشراكة والود، تستند إلى جذور دينية وتاريخية ثم تنفتح على الحاضر والمستقبل. عبارة "الإخوة والأخوات" التي افتتح بها ولي العهد خطابه ليست مجرد صياغة بروتوكولية، بل اختيار واعٍ يعكس تحوّلًا واعياً في الخطاب السعودي باتجاه مزيد من الشمول والاعتراف بالدور المتنامي للمرأة في الحياة العامة. في سياق مجلس الشورى الذي يضم نساء فاعلات في صياغة الرأي والتشريع، تبدو العبارة ذات قيمة رمزية عالية، فهي تكرّس حضور المرأة كشريك في صناعة القرار وتؤكد أن السياسة السعودية باتت تُدار بخطاب جامع لا يميّز بين صوت الرجل والمرأة. هذه الإشارة اللغوية الصغيرة تحمل دلالات كبرى على أن تمكين المرأة ليس شعارًا تنظيريًا بل ممارسة متجذّرة في لغة الدولة الرسمية. الخطاب بلا شك جاء محمّلًا برسائل سياسية واقتصادية واجتماعية متداخلة. ففي البعد الاقتصادي، أُعلن أن الأنشطة غير النفطية شكّلت أكثر من نصف الناتج المحلي لأول مرة، وأن المملكة جذبت مئات الشركات العالمية لتتخذها مقرًا إقليميًا. في البعد السياسي، أكد ولي العهد استعداد الدولة لإجراء أي تعديل جذري في البرامج أو إلغائها إذا استدعت المصلحة العامة، في إشارة إلى مرونة النظام وقدرته على التكيف مع المتغيرات. كما تضمن الخطاب تأكيدًا على ثوابت المملكة في قضايا المنطقة، وعلى رأسها الدفاع عن الحقوق العربية ودعم مبادرات السلام. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد برزت الإشارة إلى العدل والشورى كقيم تأسيسية، تُذكّر بأن التحولات الاقتصادية والتقنية لا تنفصل عن الجذور الثقافية والدينية التي قامت عليها الدولة منذ ثلاثة قرون. أخيرا فإن الرمزية اللغوية وخاتمة المعنى في خطاب سموه تمنح النص بعدًا رمزيًا يتجاوز حدود المخاطبة الشكلية. فهو يعيد التذكير أن مجلس الشورى ليس مجرد هيئة تشريعية، بل حلقة وصل بين الشعب والسلطة، وأن اللغة الرسمية يمكن أن تُصبح أداة لبناء شعور وطني مشترك قائم على المساواة والتكافؤ. الخطاب بذلك لا يُخاطب الأعضاء فحسب، بل يخاطب المجتمع بأسره عبر هذه الصياغة الجامعة. ومن هنا تتضح قوة الرمزية: كلمات بسيطة تحيل إلى معنى عميق، وهو أن الدولة تنظر إلى مجلس الشورى باعتباره شريكًا في صناعة المستقبل، ورافدًا مؤثرًا في صياغة هوية وطن يتغير بسرعة لكنه متمسك بجذوره.. هذه الخاتمة اللغوية تمنح الخطاب صداه الأبعد، بوصفه وثيقة سياسية تعكس روح المرحلة وتفتح آفاقًا جديدة أمام مسار التحول الوطني.. دمتم بخير.