بسرعة تفوق التوقعات، تتقدم المملكة العربية السعودية بخطوات واثقة نحو المستقبل، وتودع صورة الماضي المرتبطة بالاقتصاد التقليدي، ففي عهد التغيير الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعرّاب رؤية 2030 الملهم الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- تحولت المملكة إلى ورشة عمل عالمية، محورها الأساسي هو الإبداع. هذا التحول ليس مجرد استراتيجية، بل هو إعادة تعريف للهوية الاقتصادية للمملكة، حيث باتت اقتصاديات الإبداع القوة الدافعة الجديدة التي تمنحها مكانة مرموقة على خريطة الاقتصادات العالمية، وتعد بآفاق نمو لا حدود لها. وفقًا للعديد من التقارير العالمية، يقدر الاقتصاد العالمي في عام 2025م بنحو 105 تريليونات دولار، ومن المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد الإبداعي العالمي إلى ما يقارب 3.3 تريليونات دولار في عام 2025م، وهذا يعني أن اقتصاديات الإبداع تشكل ما نسبته نحو 3.1 % من الاقتصاد العالمي، مع توقع تزايد النسبة في الأعوام القادمة. لقد تنبهت قيادتنا الرشيدة إلى هذا الأمر مبكرًا، وفي خطوات استباقية كانت إرهاصات وبدايات رؤية المملكة 2030 الثاقبة وبعيدة المدى، التي تمثل أحد أبرز إنجازاتها. هذه الرؤية جعلت المملكة ومواطنيها يعيشون أزمانًا غير مسبوقة، وتحقق إنجازات ونتائج لم تشهدها الدولة السعودية منذ تأسيسها الأول على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م (قبل نحو 300 سنة)، وحتى بعد توحيدها وتأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- عام 1932م، وصولًا إلى عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، الذي يسطر مجدًا في الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى. بالعودة لاقتصاديات الإبداع في المملكة العربية السعودية تحديدًا، فقد أسهمت رؤية المملكة 2030 في نمو متسارع وثابت النتائج بأرقام غير مسبوقة، فقد ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 51.5 % لأول مرة عن الإيرادات النفطية، بالتوازي مع ترشيد الإنفاق والمصروفات التشغيلية لمشاريع الدولة، وزيادة مطردة في الاستثمارات الداخلية والخارجية. وقد أصبح صندوق الاستثمارات العامة ثالث أكبر صندوق استثماري عالمي في عام 2025م، ومن النادر الآن أن تجد المملكة خارج أرفع القوائم الاقتصادية العالمية، خاصة بعد أن بلغت المرتبة 18 في قائمة أكبر 20 دولة من حيث الاقتصاد العالمي، مع توقع أن تصل إلى المرتبة 15 قبل عام 2030 وفقًا للرؤية. قطاعات الإبداع لقد حظي قطاع جودة الحياة بشكل عام، من تعليم وصحة وثقافة وإعلام ورياضة وترفيه وسياحة، باهتمام كبير من حكومة خادم الحرمين الشريفين، لتحقق في مجالات الإبداع المعرفي والأمن السيبراني والتقنيات ليس مراتب متقدمة على جميع دول العالم فقط، بل المراتب الأولى. تُعرف «الاقتصاديات الإبداعية» بأنها قطاعات تجمع بين الإبداع البشري، والملكية الفكرية، والتكنولوجيا، بهدف توليد القيمة الاقتصادية والثقافية، هذه القطاعات تتطور باستمرار وتتنوع بشكل كبير. بشكل عام، يمكن تقسيم أبرز وأهم قطاعات الإبداع في العالم إلى عدة مجالات رئيسة: * القطاع المرئي والسمعي: يشمل صناعة الأفلام، والتلفزيون، والموسيقى، والإذاعة. * التصميم: يشمل التصميم الجرافيكي، وتصميم الأزياء، والتصميم الداخلي، والتصميم المعماري. * الإعلام والنشر: ويشمل الكتب، والصحف، والمجلات، والمحتوى الرقمي، والإعلانات. * الفنون التشكيلية والفنون الاستعراضية: تشمل الرسم، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والمسرح، والرقص، والعروض الحية. * التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية: يُعد هذا القطاع من أسرع القطاعات نموًا. * التراث الثقافي: يشمل المتاحف، والمواقع الأثرية، والفنون التقليدية والحرف اليدوية. * الترفيه: يشمل المتنزهات الترفيهية، والفعاليات الثقافية، والمهرجانات. مستقبل واعد وفي الختام، يظهر جليًا أن اقتصاديات الإبداع لم تعد ترفًا، بل هي محرك أساسي لتحقيق التنمية المستدامة في المملكة. فمن خلال الاستثمار في العقول المبدعة والابتكارات الجديدة، تواصل السعودية ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للثقافة والاقتصاد، وتفتح أبوابًا لجيل جديد من الفرص. إن هذه القفزة النوعية تؤكد أن المملكة تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافها، وتثبت للعالم أن الإبداع هو الوقود الذي سيشعل شعلة المستقبل.