مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون الذي انعقد في مدينة تيانجين بتاريخ 31 أغسطس واستمر يومين، ومن ثم الاحتفال الضخم بمناسبة مرور 80 عاماً على الانتصار على اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية والذي أقيم يوم الأربعاء الماضي في ساحة تيان آن من في بكين، تحمل رسائل اقتصادية - سياسية بالغة الأهمية للعالم. ففي هذا الميدان تم التركيز بشكل خاص على عرض المعدات العسكرية الحديثة، حيث عُرضت وحدات مزودة بأسلحة ليزر، ومنظومة الدفاع الجوي من طراز HQ-16C، هذا بالإضافة إلى الطائرات المسيرة. كما تم ولأول مرة استعراض الثالوث النووي الصيني: والذي يعني إمكانية الهجوم النووي عابر القارات من الجو والبحر والبر، حيث تم استعراض صاروخ جينجلي JingLei-1 الجوي طويل المدى، وصاروخ جولانغ JuLang-3 الباليستي العابر للقارات الذي يطلق من الغواصات، والذي يعمل بالوقود الصلب، ويطير إلى أكثر من 6200 ميل، أي نحو 10000 كم. وصاروخ دونغفنغ DongFeng-61 الباليستي البري العابر للقارات ومداه يتراوح بين 12-15 الف كم، وصاروخ جديد من نوع دونغفنغ DongFeng- 31BJ الباليستي البرّي العابر للقارات والذي يصل مداه 13 ألف كم. وذلك من أجل التأكيد على أن منجزات الصين وتطورها محمي بقوة عسكرية كافية. ومثلما نعلم، فإن الثالوث النووي لا تملكه غير روسيا وأميركا. وبالتالي أصبحت الصين هي الثالثة في العالم، وهذا العرض للقوة ترافق مع بث لقطات للرئيس الصيني شي جين بينغ، يحيط به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. إن هذا الاستعراض العسكري في ساحة تيان آن من، هو استكمال للاصطفاف السياسي الذي سبقه في مدينة تيانجين، والذي يمكن إدراجه ضمن دبلوماسية "الذئاب المحاربة" الصينية. ففي الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر، بحضور قادة أكثر من 20 دولة، أكد إن النظام العالمي قد دخل مرحلة، بحيث يتطلب العمل من أجل إقامة نظام عالمي وحوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافاً، تأخذ بعين الاعتبار 5 أمور، على رأسها: المساواة في السيادة، الالتزام بسيادة القانون الدولي، وممارسة التعددية. إن دعوة الرئيس الصيني للحكومة العالمية، تذكر بالنقاشات التي كانت تدور في أروقة الأممالمتحدة وإلى المطالب التي كانت تطرحها دول عدم الانحياز في السبعينات من القرن الماضي. والتي تم تضمينها في قرارات الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة 2229 في 1 مايو عام 1974، والتي أعلنت المطالب اللازمة لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد في قرارها رقم 3201 (دإ-6). فهذه الوثيقة، رغم مرور 51 عاماً عليها، لا تزال تعبر عن الرغبة والطموحات في إقامة نظام اقتصادي - ومالي عالمي جديد. ولكن إقامة هذا النظام العالمي الاقتصادي الأكثر عدلاً، يحتاج ليس فقط إلى الحكمة التي عرفت عن الصين، وإنما إلى القوة أيضاَ من أجل بناء نظام عالمي آخر. فالنظام العالمي الحالي، هو امتداد لما يقارب 500 عام من الهيمنة الاقتصادية، التي فرضها الغرب بالقوة منذ الكشوفات الجغرافية. ولذلك، فإن التساؤل الذي طرحته South China Morning Post في مقالها بتاريخ 2 أغسطس بعنوان: هل أصبحت الصين الضامن الرئيس للنظام العالمي بعد 80 عاماً من الحرب العالمية الثانية، هو تساؤل في محله. لأن القائمين على النظام الاقتصادي - المالي العالمي الحالي لن يفسحوا المجال لغيرهم بإقامة نظام عالمي آخر يقلل من مكاسبهم. وعلى هذا الأساس، فمن المتوقع خلال ال 10-15 عاما القادمة أن نشهد مزيدا من التفاهم بين الصين والدول المتعاونة معها، من أجل ضمان، وربما فرض نظام عالمي آخر أكثر عدلاً وانصافاً.