عبر التنقيب الدائم عن الوسيلة المثلى لتجسيد فكرته التأملية كشاعر وقاص يجيد التعبير عن عوالمه، وفي محاولاته كفنان صادق للعودة لأصل الحياة والحنين إلى الذات ودواخلها (وتلمس أبعاد الفطرة الإنسانية، والبحث عن جذور البراءة والتلقائية - والانعتاق من القيود الاتباعية وتفكيك الجمود والخلاص من التشوهات المتراكمة التي تزاحم التعبير) طرح الفنان "شعبان الحسيني" تجارب متنوعة في مجالات التصوير، مشبعة بالأحداث والمجريات والتي أطلق فيها عنان الفكر لإملاء خواطره بعيداً عن ضوابط العقل والقواعد التنظيمية الممنهجة، لتخصيب حالة مشبعة بالصور والأفكار وفيض الخيال الراسم لمسارات يتجول خلالها المتلقي لاسترجاع ذكريات المرح واللعب ونسج قصص إنسانية صادقة عن الحب والفرح والموسيقى والسعادة والحزن في مشاهد فانتازية نابضة بالحياة تحفز طاقات ودافعية الجمهور علي حب الحياة والتعالق بها. وكملحميات الفنان "مارك شاجال" التي تمتلئ وتحتفي بالذكريات المفعمة، خاض "شعبان الحسيني" مغامرات بصرية واقتحم مساحات أبعد في التعبير ليضفي على الواقع من ذاته وهويته ومناوراته الإبداعية لتجسيد أفكاره عبر الخط وتكثيف فعل اللون وتدعيم للدلالات، لترتقي صوره لمراتب التعبير النابض، وجنوحه الطموح نحو تأسيس قالب ذي بصمة خاصة، وسرد مثقل بفيض مشاعري منساب، يجلس فيه الخيالي والتعبيري والرمزي جنباً إلى جنب، عبر إفصاح بلا تفاصيل زائدة وهوس الثرثرة والترديد والإطالة والخروج عن الحد. تفوق "شعبان الحسيني" بتعبيره على الواقع وأضفى على الصور تحولاً من الاعتيادي إلى الغرائبي الشاحذ للذهن والمثير للتجاوب التفاعلي، ليعثر على أبجديات للغته الفنية وجسراً لأفكاره في عالم الطفولة، بقيمه الجمالية والفلسفية وشحناته التعبيرية، داخل بنائيات تجمع بين (الحرية والنقائية السامية - البساطة المقدسة - الصفاء البدائي - التأمل البريء - البداهة الحسية - وخبراته كمصور) حيث يلتقط موقف ولقطات وكأنها مشاهد حكائية فلسفية لأحداث سطرت بربط مكين بين الواقعية ووسائل الاختزال والتعبير، لتجسيد أشكال وشخوص ليست مادية بل أرواح محبة للحياة يملؤها الأمل والتفائل والطاقة (تحلق وتبوح وتنصت وتركض ما بين سماوات وفوق أراضٍ - في انتقال بين التعبيرية والرمزية والفنتازيا) شخوص تفصح بحضورها المكاني وارتباطها بمناخ محيطي سرمدي، شخوص قفزت كنتاج لتفسير الحقائق والتنقيب في نستولوجي وتأمل بريء. فالعمل لديه بمثابة الجدار الذي ينقش عليه أطروحاته الحالمة ويدون صخبها وأصواتها وأحوالها، وهو ما دفعه لابتداع لغة صورية تنطلق من نزعته الإنسانية العامة الهادفة وشاعرية البراءة والنقائية، التي تسرد الحوارات، وتؤسس لذكريات حقيقية وأخرى خيالية، استلهمها من نستولوجي وتأمل عميق ومراقبة للمرئيات المحيطة وينسج فيها الحاضر الحالم، ويتعمق داخل عوالم أبطالها الأطفال والصغار التي تتحرك مع طيور وفوق ظهور الحيوانات والسيارات والدراجات، وأطفال تمرح مع الحصان والبقرة والفيل والدجاج وتمتطي السلحفاة المزودة بعجلات الحركة في أقدامها، وقطط تقود الدراجات مع أصدقائها الصغار، ومجموعات في جلوس حالم على كراسٍ داخل طبيعة حالمة بالزهور والنباتات والطيور وأوراق الأشجار، وبهلوانات تصدح بالسعادة وتصدر أجواء مرحة يهيم فيها صغار مع ألعابهم وطائراتهم الورقية وتتحرك خلالها الألعاب والكرات والمراجيح، وأطفال تتمايل في بهجة مع المراجيح الطائرة، وحركة العناصر المفعمة النابضة التي تنتقل بصداها إلى كل أجزاء العمل وأجوائه الفراغية التي تغرس كل مشهد بالدفء. فمن خلال تأثيراته السيكولوجية والفسيولوجية وضمن سياق العمل وثراء خياله، ينبري اللون لديه كوسيلة وطاقة تجسد ذاته وتوجهاته المفاهيمية، عبر توظيفات اللون المؤثرة والمعالجات اللونية الخاصة لأغراض تعبيرية وعاطفية ورمزية تعضد الفكرة وتعمق المضمون وتدعم التأثير النفسي لدى المتلقي وتضفي مسحة جمالية ترتب الأولويات البصرية داخل أعماله، وتحقيق الانسجام البصري والتعبير عن المشاعر والأفكار كتشكيلات لتأسيس تأثيرات بصرية محددة، في أشروحاته البصرية الخالصة الخاوية من أية تأثيرات ملمسية جوفاء، والمغلفة بشحنات مفعمة بالتعبير والنبض الحيوي والخيال مع التوازن والإيقاع الصيروري). * الأستاذ في قسم التصميمات البصرية والرقمية المساعد «شعبان الحسيني» مغامرات بصرية واقتحام مساحات أبعد في التعبير من أعمال «شعبان الحسيني» «شعبان الحسيني» مغامرات بصرية واقتحام مساحات أبعد في التعبير