إن الكبد الذي نلاقيه في دروب الحياة ليس دليل هزيمة، بل شهادة على أننا ما زلنا نكافح.. هو البرهان أن الروح لم تخمد، وأن القلب لا يزال حيًا.. فكلما صبرنا وحلمنا وتمسكنا بالصدق والإيمان، فإننا نثبت أننا ماضون إلى الأمام، وما دامت قلوبنا تنبض بذكر الله، وما دام فينا يقين، فلن تطفئنا العواصف.. في مسيرة الحياة كثيرًا ما يجد أحدنا نفسه في مفترق طرق تختلط فيه الأقدار بالخيارات، والحرية بالقيود، والحب بشيءٍ من الفتور. فيقف الإنسان حائرًا أمام مشهد يمزج المتناقضات كلها، حتى يغدو عاجزًا عن الفصل بين نورٍ يلوح في الأفق وظلالٍ تُغشي البصيرة. ومع ذلك، لا ينبغي أن نغفل أن وراء هذا الالتباس حكمة إلهية خفية، وأن في قلب كل ابتلاء بذور نورٍ يهيئنا للنهوض من جديد. يحمل كل واحدٍ منا على كتفيه أمانات ومسؤوليات قد تتجاوز طاقته، وأثقالًا تكاد تضعف عزيمته. لكننا نتذكر أن الحلم زادٌ جميل، وأن الأمل خير رفيق للطريق، إن التجارب التي نخوضها، بما فيها من عناءٍ وصبرٍ وسعي، هي الدليل الأكبر على أننا حاولنا أن نفك أبجدية الحياة، وأن نعيش بكرامة وصدق، قائلين كلمتنا على رؤوس الأشهاد دون وجل أو خوف، وهنا تكمن قيمة المحاولة نفسها، لأنها إعلان صريح أن الروح لم تستسلم. كم يشعر أحدنا كأنه يبحر ضد تيارٍ جارف، تتقاذفه أمواج القدر وتقلبات الأيام. تتمزق أشرعته، تتكسر مجاديفه، وربما يتحطم مركبه. ومع ذلك، ما يلبث أن يستعيد رحلته، ويعود إلى البحر من جديد، مدفوعًا بيقين أن الله لا يترك من لجأ إليه، فالحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل مدّ وجزر، عسر ويسر، سقوط ونهوض. والإنسان وحده هو القادر على استعادة صوته من قلب الصمت، وقوته من رحم الضعف. ونحن إذ نتأمل العالم من حولنا، كثيرًا ما نندهش أمام التناقض بين بريق الحلم وقسوة الواقع، فقد يسطع الحلم كأنه أسطورة تبهرنا بسطوتها، ثم يجيء الواقع ليضعنا وجهًا لوجه أمام قسوة الظروف: الفقر والمرض والجهل. ومع ذلك يبقى في أعماقنا طيفٌ من الرجاء يرفض الانكسار. فما دام في القلب يقين أن بعد كل ضيق فرجا، فلن تُغلق أبواب السماء أبدًا. نحن نحمل ميراثًا من قيمٍ نبيلة ورثناها عن أجدادٍ صدقوا العهد وضحوا بالغالي والنفيس، صفحات البطولة والشرف التي خطوها ليست مجرد أحاديث تاريخية، بل جذورٌ حيّة ينبغي أن نستبقيها ونغرسها من جديد. إن حفظ هذا الميراث مسؤولية أخلاقية، ليس عبئًا يرهقنا، بل شرف يمدنا بالقوة لنواصل السير بخطى ثابتة. وما أحوجنا أن ندرك أن العزة لا تُشترى، وأن الكرامة لا تُساوم، إن قبول أنصاف الحلول يقتل جوهر القيم، والتنازل عن الحقائق يطفئ نورها، فلنكن أوفياء للصدق، ولتبقَ كرامتنا شامخة، لأن ذلك وحده ما يحفظ للإنسان إنسانيته. وفي قلوبنا شوق دائم إلى حرية أوسع، ورغبة صادقة في حقيقة لا يشوبها تزييف، حتى وإن ثقلت الخطوات وتكاثرت العوائق، يظل الأمل يضيء لنا الطريق، يذكرنا أن الله أرحم بنا من أن يتركنا في عتمة بلا منفذ. إن الكبد الذي نلاقيه في دروب الحياة ليس دليل هزيمة، بل شهادة على أننا ما زلنا نكافح، هو البرهان أن الروح لم تخمد، وأن القلب لا يزال حيًا. فكلما صبرنا وحلمنا وتمسكنا بالصدق والإيمان، فإننا نثبت أننا ماضون إلى الأمام. وما دامت قلوبنا تنبض بذكر الله، وما دام فينا يقين، فلن تطفئنا العواصف. وفي زمنٍ قد يُستباح فيه الإنسان، يظل الدفاع عن كرامته أعظم رسالة، أن نصون براءتنا، ونحفظ إنسانيتنا، ونبقي الأمل حيًا في أعماقنا، لقد خُلقنا لنُكرم لا لنُهان، لنكون شهودًا على الجمال لا أسرى للقبح. ولذلك نقول: إن الإنسان أثمن ما في هذا الكون. وما نحمله من حلم ورجاء وصبر، هو الدليل على أننا أحياء بحق.. فلنجعل الأمل وقودًا، والإيمان زادًا، والحرية منارةً.. عندها فقط سندرك أن كل عاصفة مرت بنا إنما كانت سبيلًا إلى إشراقٍ أوسع، وحياةٍ أكرم.