في التاسع عشر من شهر أغسطس من كل عام يحمل رسالةً إنسانية؛ رسالة تجود على العالم بأكمله بأهمية غرس روح الإنسانية بداخلنا ومد يد العون والمساعدة للمعاناة التي يشهدها الكثير حول العالم ليذكرنا "اليوم العالمي للعمل الإنساني؛ بأن قضايا الفقر والنزاعات والكوارث الطبيعية لا يمكن أن تواجه إلا بخطواتٍ سبّاقة منا جميعًا، وبأن حماية الإنسان وكرامته من العبادات التي حث عليها نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بقوله في الحديث الشريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". وعلى مدى عقود؛ استطاعت المملكة العربية السعودية أن ترسخ مكانتها لتصبح اليوم من أوائل الداعمين للعمل الإنساني، وذلك لم يقتصر فقط على المحيط الإسلامي والعربي، بل كان ذلك على مستوى العالم بأجمعه، ومن المميز أيضًا أن المملكة تم اختيارها في قائمة أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية، وهذا إن دل فهو يدل على أن العطاء الإنساني جزء أصيل رُسخّ في قلوب حكام المملكة وسياستها منذ قديم الأزل. كما أن رؤية المملكة 2030 كانت شاهدة على ذلك لتعلي من قيمة الإنسان، فلم تقم الرؤية إلا لأن الإنسان هو محورها في الأساس، وأكد على ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- قائلًا "بناء الإنسان هو أساس التنمية والسلام"، وهذه العبارة أتت ليأتي بعدها الخير الوفير؛ حيث قدمت المملكة مساعدات إنسانية وتنموية بلغت قيمتها 141 مليار دولار أميركي، كما أنها لها مشروعات في أكثر من 173 دولة زاد عددها عن 7983 مشروعا، مما رسخّ من مكانتها أكثر وأكثر لينظر العالم بأكمله لنا بعزٍ وافتخار. ومن هذا المنطلق وهذا التفكير المبني على أسس وقوانين أساسها السلام والوئام؛ أنشأت المملكة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتاريخ 13 مايو 2015، وكان ذلك بمبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه- لتصبح هذه المبادرة كمظلة رئيسة للأعمال الإنسانية السعودية. فمنذ تأسيسه والمركز أطلق آلاف المشروعات الإغاثية، وقدم العديد من البرامج المتنوعة لتشمل قطاعات مختلفة تتمثل في التعليم، الأمن الغذائي، حماية الأطفال والنساء، الصحة، وكذلك دعم المجتمعات والدول الأكثر هشاشة، بالإضافة إلى أن المركز اتسم بالشفافية والتنسيق مع العديد من المنظمات الدولية. ولم ينتهِ دور المبادرات والمساعدات السعودية إلى هنا؛ بل امتدت إلى قارات مختلفة لتنشئ المملكة مستشفيات ميدانية، وتساهم في توفير الأدوية واللقاحات، بجانب حملات توزيع المواد الغذائية في مناطق النزاع والحروب والكوارث في آسيا وإفريقيا وغيرها. وإذا تحدثنا بالأرقام قليلًا؛ سنجد أن إجمالي المساعدات الإنسانية والتنموية والخيرية تخطت 141 مليار دولار أميركي خلال الأربعة عقود الماضية، كما أن المملكة دعمت القطاعات والشرائح المستهدفة، حيث خصصت أكثر من 653 مليون دولار لدعم 151 مليون امرأة حول العالم فيما يزيد على 992 مشروعا. وكذلك خصصت 888 مليون دولار لتمكين ما يزيد على 179 مليون طفل في أكثر من 926 مشروعا، وفي فترة جائحة كورونا؛ قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات طبية وقائية لأكثر من 50 دولة بقيمة تجاوزت 824 مليون دولار. أما بالنسبة لمناطق النزاع والحروب والتي من أهمها ما يعانيه إخواننا في غزة اليوم -عجّلَّ الله لهم النصر والتمكين- فقد استطاعت المملكة عن طريق الجسور الجوية والبحرية تقديم ما يزيد على 7180 طنا من المساعدات، كما أرسلت 20 سيارة إسعاف واتفاقات إغاثية وصلت قيمتها ل 90.35 مليون دولار أميركي. ومن خلال مشروع "مسام" المشروع السعودي الذي يهدف إلى تطهير الألغام؛ تم نزع ما يزيد على 500 ألف لغم في اليمن، بالإضافة إلى إطلاق برنامج الأطراف الصناعية ومبادرات إعادة تأهيل ما يزيد على 530 طفلا مجندا، وكذلك تقديم الدعم النفسي والاجتماعي ل 60 ألف فرد من الأسر المتضررة. وفي عام 2023 في زلزال تركيا وسورية؛ أطلقت المملكة منصة "ساهم" واستطاعت جمع ما يزيد على 114 مليون دولار خلال مدة بسيطة، بجانب إرسال الإمدادات الطبية وفرق الإنقاذ، بالإضافة إلى بوابة التطوع الخارجية السعودية والتي جندت ما يزيد على 80 ألف متطوع في أكثر من 55 دولة مشاركين في 991 برنامج ليسهموا في تنفيذ عمليات جراحية مجانية زاد عددها على 236 ألف عملية. في النهاية؛ سيظل العمل الإنساني هو اللغة الوحيدة القادرة على إحداث أمر جلل في العالم لتوحيده وسلامه، وبلادنا برؤيتها وأفعالها استطاعت تجسيد اللغة لتؤكد في اليوم العالمي للعمل الإنساني أن التضامن قيمة لا بد منها، وأن الإنسان هو الغاية والوسيلة لمستقبل يسوده الأمن والسلام.