لم يعد الطب الرياضي حكراً على إصابات الملاعب أو تأهيل لاعبي كرة القدم وألعاب القوى، بل بدأ يتجه مؤخراً نحو ساحة مختلفة تماماً نحو الرياضات الإلكترونية، حيث التنافس لا يحدث في الملاعب، بل خلف الشاشات، والضغط لا يأتي من الجهد البدني فقط، بل من التركيز العقلي والتكرار الحركي لساعات طويلة. هذا التحول في المشهد الرياضي استدعى تدخلاً طبياً من نوع جديد، يُراعي طبيعة الإصابات والمشكلات الصحية التي بات يعاني منها محترفو الألعاب الإلكترونية، وهو ما أشار إليه البروفيسور قاسم المعيدي -استشاري العلاج الطبيعي والطب الرياضي ورئيس سابق للاتحاد السعودي للطب الرياضي- موضحاً أن التعامل مع هذا النوع من اللاعبين يتطلب فهماً دقيقًا لتأثير الجهد الذهني والحركي المتواصل على الجسم. وذكر المعيدي أن اللاعبين المحترفين في الرياضات الإلكترونية أصبحوا أكثر عرضة لإصابات مزمنة لم تكن تُصنّف سابقاً ضمن إصابات رياضية، لكنها باتت اليوم مرتبطة بشكل مباشر بنمط أدائهم وبيئة التدريب الرقمية. وقال: إن من أبرز تلك الإصابات متلازمة النفق الرسغي، التهاب الأوتار، آلام الرقبة والكتفين، مشاكل العمود الفقري، الإجهاد البصري، واضطرابات النوم. وأضاف أن أغلب هذه المشكلات ناتجة عن الجلوس الطويل بوضعيات غير صحية، والحركات المتكررة لليدين والأصابع، إضافةً إلى التوتر النفسي العالي خلال المنافسات، وهو ما يتطلب تدخلاً طبياً متكاملاً يشمل التقييم الجسدي، العلاج الوقائي، تمارين الإطالة، تقنيات ضبط الجلوس، وبرامج إدارة التوتر الذهني. وأشار إلى أن هذا التخصص لا يزال في بداياته، لكنه يلقى اهتماماً متنامياً في الأوساط الطبية والرياضية داخل المملكة، خاصةً مع توسع قاعدة المشاركين في الرياضات الإلكترونية وارتفاع حجم البطولات والجوائز، ما يجعل دعم اللاعب صحياً ضرورة لا تقل أهمية عن الدعم الفني والتقني. وأوضح أن إنشاء برامج رعاية صحية مخصصة لهذا النوع من اللاعبين يساهم في حماية مسيرتهم الرياضية من الانقطاع، ويقلل من معدلات الإصابة المزمنة التي قد تهدد استمرارهم في المنافسات. وشدّد على أن الرياضات الإلكترونية باتت جزءاً من المشهد الرياضي الاحترافي، ويجب أن تحظى بالرعاية الطبية الكاملة، تماماً كما يحصل عليه اللاعبون في التخصصات الرياضية التقليدية، مشيراً إلى أن ذلك يمثل أحد أركان التطوير المستقبلي للطب الرياضي في المملكة.