مع بداية كل عام هجري جديد، تتجدد في أذهان المسلمين أهمية هذا التقويم الذي يحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات العميقة. فالتاريخ الهجري، الذي بدأ من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، هو أكثر من مجرد نظام لحساب السنين؛ هو رمز لوحدة الأمة الإسلامية، ومرجع لتوثيق أحداثها، وعلامة فارقة في تاريخها الروحي والثقافي في بداية عهد الإسلام، لم يكن هناك نظام موحد لتدوين التواريخ، وكانت المراسلات والوثائق تقتصر على ذكر الأحداث أو الأشهر دون تحديد للسنة بشكل دقيق. ومع تزايد الحاجة إلى توثيق الأحداث المهمة، وخصوصًا بعد فتوحات الإسلام، رأى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرورة وضع نظام موحد يُسهل تحديد المواعيد، ويُعزز وحدة الأمة. بعد استشارة الصحابة، تم اختيار هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كنقطة انطلاق للتقويم الإسلامي، إذ اعتبرها عمر بن الخطاب (فرقانا بين الحق والباطل). فكانت الهجرة بداية لتاريخ جديد، يحمل في طياته معنى الهداية والتمسك بالدين، ويُعبر عن بداية مرحلة جديدة في حياة المسلمين. تم تحديد بداية السنة الهجرية الأولى بيوم الأول من شهر محرم، من العام الذي وافق هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عام 622 ميلادية وفقًا للتقويم الميلادي. ومنذ ذلك الحين، أصبح التقويم الهجري وسيلة لتوثيق الأحداث الإسلامية الكبرى، وتحديد مواسم العبادات، وإحياء المناسبات الدينية، مثل رمضان والحج والأعياد. يعتمد المسلمون على التقويم الهجري لتحديد مواعيد الصيام، والحج، والأعياد، مما يُعزز الوحدة الروحية، ويُذكر المسلمين دائمًا برسالتهم الدينية، ويجعلهم يعيشون في تناغم مع مواسم عباداتهم. يُعد التقويم الهجري أداة هامة لتوثيق الأحداث التاريخية، والمعارك، والفتوحات، والوفيات، والأحداث الكبرى التي شكلت مسيرة الأمة الإسلامية، مما يربط المسلمين بتاريخهم ويعزز هويتهم الثقافية والدينية. ويُعد التقويم الهجري رمزًا لوحدة المسلمين، فهو يربطهم بتاريخ مشترك، ويذكرهم بمبدأ التوحيد، ويعزز روح الانتماء والهوية الإسلامية، خاصة في ظل تباين المذاهب واللغات والثقافات داخل الأمة. ان التقويم الهجري هو أكثر من نظام حسابي؛ هو تذكير دائم بقصة الهجرة، التي تعد نقطة تحول في تاريخ الإسلام. فهي تعبر عن الصبر، والثبات، والتمسك بالحق، وتؤكد أن النصر يأتي بعد الصبر والتوكل على الله. كما أن اعتماده على دورة القمر، يجعل الأشهر تتفاوت بين 29 و30 يومًا، مما يعكس دقة في مراقبة الظواهر الكونية، ويُحافظ على روحانية الشهور والأعياد. ان التقويم الهجري هو سجل حي يعبر عن تاريخ الأمة الإسلامية، ويعكس هويتها الروحية والجغرافية، ويُعطي لكل مسلم شعورًا بالانتماء إلى أمة ذات تاريخ عريق ومكانة متميزة في العالم. انه تذكير دائم بقصة الهجرة، وبالهدف من وجودهم، وبضرورة الحفاظ على وحدتهم وهويتهم الثقافية والدينية، ليظلوا على الدرب الذي رسمه لهم نبيهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. د. أحمد عبدالقادر المهندس