في لحظة فارقة من عمر السينما الأميركية، يعود المخرج الشهير سبايك لي والنجم الحائز على الأوسكار دينزل واشنطن للتعاون مجددًا عبر فيلمهما المرتقب "Highest 2 Lowest"، والذي يشكّل إعادة تخيّل حديثة لتحفة المخرج الياباني أكيرا كوروساوا "High and Low" الصادرة عام 1963. يأتي هذا العمل ليعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر الثنائيات تأثيرًا في تاريخ السينما الأميركية، وليمنح الجمهور تجربة درامية تتقاطع فيها أسئلة الضمير والسلطة والفوارق الطبقية مع نبض الحياة في نيويورك المعاصرة. عُرض الفيلم لأول مرة خارج المنافسة في مهرجان كان السينمائي 2025، وتلقى إشادات متباينة، لكنه نجح في لفت الأنظار بسبب اجتماع لي وواشنطن على الشاشة من جديد بعد قرابة عقدين من آخر تعاون لهما. كما شهد المهرجان تكريم دينزل واشنطن بجائزة "النخلة الذهبية الفخرية" تقديرًا لمسيرته الفنية الزاخرة، في لحظة وصفتها الصحافة السينمائية بأنها مؤثرة وصادقة، وذات دلالة على قيمة العمل الذي جمعهما. تدور أحداث "Highest 2 Lowest" حول شخصية ديفيد كينغ (دينزل واشنطن)، الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج موسيقي، يُعرف بدقته وتميز سمعه. تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما يتعرّض طفل أحد مساعديه للاختطاف، وسط مطالبات بفدية ضخمة، ليدخل في صراع نفسي وأخلاقي بين الواجب المهني والمصالح الشخصية، وبين ما تفرضه عليه مكانته الاجتماعية وصرخة ضميره الإنساني. ورغم أن القصة مستوحاة من فيلم كوروساوا، إلا أن سبايك لي أضفى عليها طابعًا محليًا قويًا، حيث نقل الأحداث إلى قلب نيويورك، وجعلها تدور في خلفية حضرية نابضة بالحياة، مليئة بالرموز الثقافية والسياسية التي لطالما ميّزت أعماله. كما أتاح للفيلم أن يحمل نبرة احتجاج اجتماعي واضحة، تمثّلت في مشاهد المترو ومهرجان بورتو ريكو، التي برزت كأهم لقطات الفيلم على مستوى الصورة والإخراج. شارك في بطولة الفيلم أيضًا مغني الراب الشهير ASAP Rocky بدور نجل دينزل واشنطن، وقد أثنى النقاد على أدائه، واعتبروه مفاجأة فنية، حيث وقف "ندًّا لندّ" أمام أحد أعمدة التمثيل في العالم. كما شهد العمل أول ظهور سينمائي للفنانة Ice Spice، إلى جانب الممثلين جيفري رايت وإلفينيش هاديرا. على المستوى النقدي، تفاوتت الآراء حول الفيلم. فقد أشادت بعض المراجعات بأداء واشنطن وعمق التناول، خاصة في النصف الثاني من العمل، بينما رأى آخرون أن الافتتاح كان متعثّرًا نسبيًا، وأن بعض الشخصيات الجانبية لم تُوظف بالشكل الكافي. لكن الجميع اتفق على أن الفيلم يقدّم تجربة بصرية ودرامية تستحق التوقف، خاصة في مشهد المواجهة بين الأب والابن، وما يحمله من شحنات شعورية متراكمة. أشار سبايك لي في تصريح له إلى أن هذا الفيلم قد يكون آخر تعاون بينه وبين دينزل واشنطن، في إشارة إلى نية الأخير التخفيف من نشاطه الفني خلال المرحلة المقبلة. وهو ما يُضفي على "Highest 2 Lowest" بُعدًا وداعيًا، لا يخلو من الوفاء لمسيرة مشتركة بدأت منذ Mo' Better Blues مرورًا بMalcolm X وHe Got Game وانتهاءً بInside Man. من المقرر أن يُعرض الفيلم في صالات السينما الأميركية خلال شهر أغسطس الجاري، على أن يُتاح لاحقًا عبر منصة +Apple TV في سبتمبر. وبين التوقعات الجماهيرية والاحتفاء النقدي، يبدو أن "Highest 2 Lowest" ليس مجرد فيلم، بل فصلٌ أخير محتمل في واحدة من أنجح العلاقات الإبداعية في تاريخ هوليوود.