الثقافة ليست مهنة، ليست صوراً، وليست ادعاءات وشعارات، وأيضًا هي لا تكمن في الكم الأكبر من الشهادات، أو تعددية الحوارات، أو الظهور الإعلامي، الثقافة سلوك ومعرفة وشغف، الثقافة محاولات حقيقية لسد الفجوة، وإضاءة الطرقات، ورفع مستوى الوعي في المجتمعات. الثقافة عالم متسع من الحديث والحوار والنقاش في مختلف العلوم والمعارف والمجالات، ولكن سأحصر مقالي هذا في دائرة (الأطباء المثقفون) الذين لم يكتفوا بالعمل في حجرات المستشفيات، بل حملوا على عاتقهم مسؤولية التنوير والتوجيه والتحذير، فجعلوا من توعية المجتمعات وتثقيفها طبيًا هدفًا ساميًا ونبيلًا، حيث أثبتوا بأن دور الطبيب لم يقتصر فقط على مقعد العيادة، أو حجرة العمليات، أو العائد المادي، هم لم يجعلوا من الطب صناعة فقط، أو مهنة، أو مادة تعليمية تُلقن للطلاب في مقاعد الجامعة، بل حوَّلوا المادة التعليمية إلى محتوى ثقافي مهم وجاد، وهذا ما أثبته الواقع، وعززته وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تحمل كثافة عالية وغنية من المحتوى الطبي التعليمي الثقافي والتي يقودها عدد من الأطباء النبلاء الذين جعلوا من ذلك العلم مادة ثرية ومفيدة ومتاحة، فلم يختزلوا تلك المعرفة في الشهادات المعلقة على جدران العيادات، ولم يجعلوها مشروطة بالمقابل المادي، بل تحولت حساباتهم الشخصية إلى منصة تعليمية فاخرة، تمزج ما بين نشر المعلومة، والإجابة المفصلة على تساؤلات الناس. الجدير بالذكر هو أن هذه المبادرة من أهم المبادرات الإنسانية العظيمة، لأنها إشارة جادة إلى اتساع الوعي، وثقافة الأطباء، والسمو الإنساني، فهناك في مجتمعاتنا، وواقع حياتنا أشخاص تمنعهم الظروف المادية، أو المكانية، أو حتى التواقيت الزمنية من التواصل مع الأطباء، وأيضًا هناك أشخاص يحملون مفاهيم طبية خاطئة، فتوفير المعلومة من خلال الأطباء المبادرين يُعد أحد الحلول الإيجابية، ويعد توعية ثمينة جدًا، يقول ابن القيم:(العالِم كلما بذل علمه للناس وأنفق منه، تفجَّرت ينابيعه وازداد كثرة وقوة وظهورًا، فيكتسب بتعليمه حفظ ما علمه). لذلك تعد هذه المبادرة الثقافية الطبية من زكاة العلم، والتي تتمثل في نشره وبذله وتعليمه للآخرين، كما أن هذا التوافد الزاخر المضيء من الأطباء،دلالة على بيئة نقية، وإشارة إلى وطن عظيم مشع بالنبلاء على كافة الأصعدة، (الطبيب المثقف) يحمل كل معاني الانتماء والتفاعل نحو مجتمعه، فهو لم يكتفِ بحمل الرسالة، بل سعى إلى تجسيدها والإفصاح عنها، ونشر كل المستجدات الطبية التي تزيد من وعي المجتمعات. شكرًا لكل طبيب لم يختزل عِلمه، ولم يجعله حبيسًا داخل أروقة المستشفيات.