لا أستطيع أن أكتب عن أمي، دون أن يعرش الياسمين على أصابعي، ولا أستطيع أن أنطق اسمها دون أن يكتظ فمي بعصير المشمش، والرمان، والتوت، والسفرجل، ولا أستطيع أن أتذكرها، دون أن تحط على جدار ذاكرتي ألف حمامة.. وتطير ألف حمامة عذراً نزار قباني إنها أمي نوف العطاوي في زحام الحياة، وفي لحظات انكساري التي لا يعلمها أحد، لا أجد نفسي إلا وأنا أبحث عن أمي... بصوتها، بحضنها، برائحتها بصمتها، بصلواتها وتراتيلها بحضورها وغيابها، أمي ليست فقط من أنجبتني، بل هي الوطن الصغير الذي كلما تهتُ عنه، شعرت أنني بلا هوية، بلا أمان، سري الذي لا أبوح به، وراحتي التي لا يعلو عليها شيء. أنتِ التي تلمحين وجعي قبل أن ينطق لساني، وتضمدين شتاتي بكلمة: "يمّه، وش فيك؟" فيكِ كل المعاني التي عجز عنها الكلام... وفي دعائك يكمن كل الفرق بين الانكسار والانتصار. يا أمي، حين يخذلني الجميع، يكفيني أنكِ لا تتغيرين، تبقين أنتِ كما أنتِ، رغم كل شيء: حنونة، صابرة، قوية، شامخة بحنانك الذي لا يموت، حبّك هو الذي يروينا، يوم تعطِشنا الدُّنيا شقاء، تخاف علينا، ولا أحد يخاف علينا بقدرها، نعم أمي تخافُ كثيراً، أُمي من كلَ شيء، ولكنّي دون خوف أمي أنا لا شيء، وأخاف وارتعب من كل شيء. ولمن فقد أمه سلامٌ على قلوبهم التي تشتاق ولا تُقال، ودموعهم التي تهطل بصمت في كل لحظة فرحٍ لا تشاركهم فيها. اللهم اجعل قبور أمهات من رحلوا نورًا لا يُطفأ، وسكينة لا تنتهي، وبلّغهم منا السلام والحب كل يوم، كما كنا نبلغهم إياه حين كانوا بيننا. إلى كل أم... أنتِ الحياة حين تضيق، والأمل حين ينطفئ، والملاذ حين تشتد العاصفة. وإلى أمي تحديداً دمتِ لي نبضًا لا يخفت، ودعاءً لا يُرد، وحبًا لا يموت. محمود درويش أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أُمي ولمسة أُمي.. وتكبر فيَّ الطفولةُ يوماً على صدر يومِ وأعشَقُ عمرِي لأني إذا مُتُّ أخجل من دمع أُمي!