حين يَعرِض القرآن هذا المعنى اللطيف، فهو يهدف أن لا يُلتفت إلى أقوال البعض. ويأتي هذا تأكيداً للخطاب الواعي لمفهوم ذرهم كي لا يتحول القلة إلى زعماء ساحة أو حتى لا تتورم أوهامهم للتمادي في زيفهم وتحدث ندبات وتجاعيد على جسد الثقافة، وتتحول منصاتهم إلى مواقع للافتراءات والخوض في الخطاب الأعمى وتشابك الألسن، وبالتالي الدخول في مهاترات لا نفع منها، ومن ثم الوقوف على تشكيل وعي مزيف بقصد وبغير قصد، والخطاب الواعظ هنا ودلالة الواسعة تتجلى في حالة السمو والارتقاء المتجاوز عن الصغائر الى حالة من الاعراض، ولا يهدف هذا السياق إلا أن يمضي الإنسان نحو مدارج العلاء بعطاء يستمر فيه الخير ويتحقق منه النفع والأهداف العليا السامية ليكون الإنسان ضمن دائرة الخيرية على قاعدة ( كنتم خير أُمة). إن نتائج التجارب تعلمنا أن النقد البناء هو الذي يفضي بنا إلى المعرفة ومن خلاله يتوسع النقاش وبالتالي نخرج بنتائج ايجابية يستفاد منها، لأن أساس كل نقد هو الذوق الشخصي الذي تدعمه ملكة في النفس، وعند ذلك نكون في إطار ثقافة تظهر بظهور ثقافة أخرى. النقد الذي يصيب أهدافه بدقة ويكشف ما توارى عن أنظار الآخرين في استجلاء للصور المخبوءة خلف أستار المعاني من خلال منهجية التفكير والبحث عن الإجابات والسؤال الاستفهامي الدائم، أما من يقحم نفسه عنوة في محاولة متعثرة ليكون ضمن النخب الثقافية والبحث عن الضوء فقط، دون أن يدرك طُرق وأساليب النقد والمفاهيم التي تسهم بدور فعال، فإن ذلك لا يخرج عن كونه محالة جادة ويائسة لتقمّص أردية الثقافة بمقاسٍ فضفاض واسع يشوه وجه الثقافة المليح ويظهر الشخص في مسار لا يليق به، ولا أفسر ذلك إلا أن مثل هذه التوجهات هي محاولة للتلذذ بالنقد الجارح الذي لا يتكئ على معرفة أو مفهوم نقدي محاط به، وكلنا نعرف الاختلاف، وأنه من أهم سمات الحياة، بل أن الحياة قائمة على هذا المفهوم، في ثنائية قد يطول استعراضها ولكن نكتفي بالإشارة إليه، فولا الاختلاف لما استقامت الحياة فهناك بائع ومشتري وغني وفقير وذكر وأنثى وليل ونهار، وقس على هذا الاختلاف الذي يجعل الحياة ذات معنى وتستقيم على أساس هذا الاختلاف، ومن جانب آخر قد اختلف الأئمة الأربعة ولازال الدرس قائم على ذلك الاختلاف إلى يوم الناس هذا، ومن الطبيعي جدا أن نختلف ولكن دون زرع الجبهات أو خلق عداوات أو حتى جلب أنصار وتجييش بعض المنصات، حتى تراهم في أروقة الوسائط الرقمية يحملون قميصا ملطخا بخطيئة مفتعلة كل هذا اللغط والجلبة من اجل الظهور واثبات الذات والحضور عنوة في الوسط الثقافي، عبثا فعلوا وزيفا نطقوا، وهذا التخبط أشبه ما تكون بالفوضى في محاولة لتوسيع رقعة مساحة الخلاف وانتشاره من خلال النظم الرقمية التي تتيح سرعة الانتشار عند إضافة بعض المصطلحات والرموز التي تخول المنصة إلى الوصول إلى اكبر عدد ممكن بغية تحويل الوضع إلى ساحة مازومة كسيحة وعرجاء، وهذا في نظري لا يتفق مع مرحلتنا ولا مع ما وصلنا إليه حيث نشهد الكثير من هذا العالم حولنا وهو يستشهد بما نقوله ويؤمن بما نطرحه ويتابع بثقة وإعجاب سير أعمالنا لاسيما بعد برامج الرؤية الوطنية وتحديدا في الشأن الثقافي مما يستدعي المراجعة من البعض والابتعاد عن تشويه وجه راهن ثقافتنا باشتباه ليس إلا. جماع القول أدرك تماماً أن مثل هذا الأصوات تتوارى ولا تترك خلفها إلا بقايا الصوت شاحب يذوي ويتلاشى ويخفت في غصة حلقه ويموت في مهده.. وإلى لقاء.