دلف إلى مكتبي صباح أحد الأيام زميل جديد، وأثناء حديثي معه، سألني عن أحسن الإدارات في المجلس، فبدأت أحدثه عن طبيعة عمل بعض الإدارات، لكنه قاطعني قائلاً: أقصد أحسن الإدارات مديراً ، وعندها وقفت عن التفكير والحديث، وقلت في نفسي: لو أن هناك مديراً مثاليا لانضويت تحت لوائه ولعضضت عليه بالنواجذ. أعادني هذا الموقف إلى كتاب كنت قرأته بعنوان "أنا أكره مديري" لبوب وينستن، يعرض تجارب حقيقية مع بعض المديرين، ويقدم نصائح في هذا المجال، ويجيب عن كثير من التساؤلات التي تشكل على بعض المرؤوسين، والكتاب طريف في بابه ويدغدغ أحاسيس كثير ممن عانوا سطوة العمل وأربابه. يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى حقيقة إدارية مهمة في هذا المجال تتمثل في أنه طالما أن هناك شخصا في بيئة العمل يأمر شخصاً آخر فإن حدوث المشكلات حينها يصبح حتميا، ويعترف المؤلف بأنه ما كان لهذا الكتاب أن يخرج إلى الوجود لو لم يتعرض لهذا العدد من أرباب العمل المتوحشين الذين تحملهم طيلة حياته المهنية الصعبة، وأن معه مئات من الآخرين الذين كانت معاناتهم أصعب وأقسى مما واجهه. وقد قسم المؤلف أنواع الرؤساء طبقاً لما يعانونه من أمراض وما يتصفون به من صفات، وقد أغراني ذلك بالإسهام في هذا المجال لأضيف من بيئتنا المحلية أنواعا قد تختص بها، طبقاً لإدارتهم العمل وصفاتهم الشخصية، إنصافا لها فربما ندخل في قائمة صناع الإدارة ولو من أبوابها السلبية، ومنهم المدير الذي يحاول أن يبحث عن كل مهمة هائمة لا تجد لها وليا ليضيفها لمهمات إدارته على حساب الإدارات الأخرى، ونقيضه الذي يحاول التنصل من كثير من مهام إدارته وينفض يديه من كل أمر، ولا يدري أنه يعلن بملء فيه عدم جدارته بتسيير العمل فيها. ومدير الاجتماعات الذي لا يحبذ الاجتماعات الدورية التي تعالج المشكلات الحقيقية في إدارته، ولكنه لا يتوانى عن عقد اجتماع لإبلاغ معلومة أو توزيع نموذج، ولسان حال المجتمعين "تبا لك ألهذا جمعتنا"، المدير الذي لا يرى إلا نفسه ولا هم له إلا أن يضيف بصمته الخاصة على كل خطاب ولسان حاله: "أنا أعدّل على عملك أو خطابك إذن أنا موجود"، المدير الأسد على مرؤوسيه، ولكن أمام رئيسه أو في بيته أجبن من نعامة، وكم فضح هذا النوع في الاجتماعات أو اللقاءات العامة وانكشف أمره أمام الملأ، المدير المشغول عن هموم إدارته بتأبط الأوراق جيئة وذهاباً إلى مكاتب رؤسائه، وهذا النوع الوظيفة أخطأته وظن أنه جاء الإدارة على قدر. يقدم المؤلف في ثنايا الكتاب -لمن وقع تحت سطوة أحد من هؤلاء المديرين- الكثير من النصائح والآراء، اقتطف منها:- - هناك ثلاثة أفكار لبناء الموقف الإيجابي للانسجام مع مديرك هي:- 1 - لا تستسلم وتترك العمل كونك لا تحب هذا الشخص، وإنما تقبل ما لاخيار لك أمامه. 2 - اعمل ما يفعله أغلب الناس، وتجنب العنف، ولا تسلك طريقاً يؤدي بك إلى الإخفاق، وتأكد أن استبدالك أرجح بكثير من استبدال رئيسك. 3 - تجنب جعل العلاقة في قالب شخصي، وابحث لمديرك عن عذر، فلديه مشكلاته مع مديره، فيطلق قلقه المكبوت وغضبه في وجوه مرؤوسيه. حاول أن ترى العالم من حولك كما هو، لا كما تطمح أن يكون، يقسم المرؤوسين أنهم لن يكرروا الأخطاء التي وقع فيها رؤساؤهم، ولكن أغلبهم يحنث في قسمه -ذلك أننا نتعلم بأسلوب الاقتداء. ليس كل الناس يودون أن يصبحوا رؤساء، وهناك آلاف الأمثلة عن أناس موهوبين وأصحاب قدرات رفضوا مواقع الرئاسة لأسباب متعددة، وعلى رأسها الخوف من الفشل والإخفاق، فلماذا لا تقدر لمديرك هذه التضحية وهذا الإقدام. (وأنا على استعداد تام لإعارة الكتاب لكل من ضاق ذرعاً بمديره). ومما يجدر ذكره في مقام المديرين ذوي النزعات التسلطية ما قرأته مؤخراً في إحدى الصحف عن قيام حركة عمالية في الولاياتالمتحدة بإنشاء موقع الكتروني يشجع الموظفين على بث شكواهم ومعاناتهم مع مديرهم، حيث دعت حركة (working America) الموظفين في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة إلى المشاركة بتجاربهم السيئة التي مروا بها مع أسوأ المديرين في رابط خصص لهذا الأمر في موقعها الإلكتروني تحت اسم (my Bad Boss Contest، كما يقدم الموقع هدية لأفضل قصة تتمثل في رحلة لمدة أسبوعين وجائزة مالية قدرها 1000 دولار.