انتهى عام دراسي كامل تخلله استيقاظ مبكر واستنفار هنا وهناك في إنهاء الواجبات وتأدية الاختبارات حتى أصاب النفوس ملل وسآمة وأصبحت تبحث عن الراحة والاستجمام، وحُق لها ذلك فالنفوس تمل وتضجر وتأنف وتحتاج أن تستجّم وترتاح بعد كل عناء وتعب وهذا ما أرشد إليه ديننا الحنيف وشرعنا المطهر ومن ذلك ما ذكره حنظلة رضي الله عنه لسيد البشرية محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه حين قال: (إننا حين نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعات. نسينا كثيرا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة. ثلاث مرات" يقول ابن الجوزي رحمه الله: ولقد رأيت الإنسان قد حُمّل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حُمّل مداراة النفس وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس). كثيرا ما نسمع في أوقات الفراغ (أضيع وقتي، اقتل وقتي، أقطع فراغي)! وإذا كنا نتحدث عن الإجازة فإننا نتحدث عن جزء من أعمارنا، ورصيد من أوقاتنا فالوقت هو الحياة. من عمره فإنما يعمر حياته، ومن قتله فإنما يقتل نفسه ولأهمية الوقت، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة {وَالْعَصْرِ}، {وَالْفَجْرِ }، {وَالضُّحَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، وغيرها من الآيات. والطلاب اليوم ومعهم آباؤهم في حيرة وارتباك وتردد كيف سنقضي الإجازة!؟ وهي في الحقيقة وقت فراغ كبير ممتد إن لم يستغل ويستثمر الاستثمار الأمثل فقد يكون وبالاً على أصحابه حين تنحرف بوصلة الفراغ إلى مجالات عدة متنوعة من خلال رفقة سوء أو تعارف وتواصل خاطئ في غير محله ! ولذا من المناسب جدا أن تتبنى دور العلم والتربية وحلق القران ومؤسسات برامج نافعة ومفيدة لأبنائنا الطلاب وأن تكون هناك خيارات عدة ومجالات رحبة لاستغلال الإجازة ما بين ترويح مباح لا إثم فيه ولا منكر وبين واجب محتوم حث عليه الشارع ورغب فيه فمثلاً من الجميل أن يضع الأب خطة يوزع فيها الوقت والأيام ما بين حفظ لسورة من القران أو حديث من وحي البيان أو اتقان صنعة أو اكتساب خبرة أو تعلم فن من فنون المعرفة والتقنية الحديثة ويرصد عليها الحوافز والتشجيع عند التمام وساعة يقترح عليهم سفرة مباحة نقية من المشاهد الغير جيدة فالسفر حزمة من الفوائد والفرائد وكمية من الترويح والتنفيس وتارة يأخذهم لزيارة قريب وتواصل مع الأقارب والأرحام حتى وإن بعد بهم المقام! ويبقى أننا حقيقة إذا أردنا إذا أن تستفيد من الإجازة ونكون فيها من الرابحين فلا بد أن نحقق أمرين: 1- أن نستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله وأن هذا الوقت هو رأس مالنا فإن ضيعناه ضاعت حياتنا، وإن حفظناه كنا من السابقين المفلحين. 2- لا بد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت. بالتخطيط والتنظيم يمكن أن نحول الإجازة إلى فترة إيجابية في حياتنا نجني منها الأجر والفائدة وبناء النفس من جهة، ونجد فيها المتعة والترويح عن النفس من جهة أخرى.