وتبقى علاقة الإنسان مع الإنسان، ورائحة الطين بالبوح، وقوة البوح، ونوع البوح، وأنينه، ورقته، جميعها تحدد مسافة الشعور، تلتف حول القلب بنوع نسيجها، فالتعامل البشري مع بعضه يحدد هوية علاقته تجاه الكلمة التي تقضي نحبها، بتوجيه وتنوير يدور حول نقاش عقليات واعية، تدرك تماماً كيف تتحدث، ومع من تتحدث، وماذا تريد، وإلى أين تتجه، وأيٍ من الكلمات تستحق العوم والاختيار لتطفو وتفوز بالدائرة التي تُدار على فوهتها الكثير من الأفكار المتفانية، في حين أن بعض العلاقات يُضعفها أو ينهيها ومض كلمات قضت، أو وميض غضب أعمى، أرسى محاكم الإنهاء على مراسيها بسواد الشعور، أو بضعف قوامها الهش الذي لم يحسنوا فيه الاختيار. لماذا لا يدرك بني الإنسان أن الكلمة مسؤولية وجب الاهتمام بها؟ وآية تجلٍ عمق الخطاب القرآني: وقولوا للناس حُسنا. الكلمة القوية صنعت تاريخاً قوياً كاد ينسدل في الخطب والندوات والنصائح والشعر العربي والحوار البشري حول أي موضوع تهتم به المجالس أو يتناوب طرفاه اثنان. واليوم، ورغم رقي الإنسان، وما وصل إليه من تطورات فكرية، ورغم سهولة وصوله لعالم القراءة عبر وسائل التواصل؛ إلا أحدهم لا يحسن الحديث، ولا يحسن اختيار الكلمات المناسبة للإقناع أو الحوار، مما يسبب الكثير من الحساسيات أو احتدام نار الصراع التي تعين على تفاقم الحده بينه وبين الآخر، أو تغيير المشاعر بين أغلب الأطراف المتحدثة أو المستمعة، نحتاج تعميق النظر في تآلف العلاقات بالتدارس الذاتي ولثقافة السؤال، وثقافة الرد، كي يعود التمسك بعروة الود جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الحوار؛ فلا الشمسُ ينبغي أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. فالذهن البشري يفضل الاستنارة لتحريك كيانه العقلاني لا متأرجحاً بين الاستغراق والتحليل والتأمل والعودة لذات النقطة عند كل إنذار يُنذر به موقف ما يبقى ثباته تجاه ما يرى حلقة استفزاز تثير الفوضى، وتقيد التفكير في محيطٍ يكون فيه الإنسان إنساناً، بحديثه، وطريقة حواره، وحسن تفكيره الذي يراه، وبشكل مُستمر، في ضوء حراك حي، ونشيط. ويبقى الامتزاج بين الروح والجسد هو ما يخلق لنا عمق الفكر وتحري الدقة مواكباً لخلقنا في أحسن تقويم، ورابطاً لسلسلة مبتدئه ومنتهاه، في فضاءات أكثر تشويقاً للتعرف على المنافع الطيبة من المعلومات، والمحاسن لبناء الإنسان حتى يذهل صفحة التاريخ ببديع كلامه، وعظيم قوله. فلا يجب أن يبقى الفتور تجاه المواقف مُستمراً؛ بل الانغماس فيها والاندفاع تجاهها بروية يُعيننا باستمرار على التطوير اللفظي الحواري والتنوير الحقيقي في معرفة الذات وكسب الذوات وبناء العلاقات بذكاء عقلي يكون له الفضل في أن يكوّن مُتحدثاً بارعاً لبقاً في اختيار كلماته وحديثه تجاه الآخر.