على مدار عصور، كان القتال في المعارك يدور بين سلاحي المشاة والفرسان مع أدوار خاصة لكل واحد منهما تتطور مع وتيرة التقدم الجديد في الجوانب التكتيكية والتكنولوجية. وكان لدى كل سلاح قوات قاتلت بأسلحة غير نارية، وقوات أخرى كانت تستخدم أسلحة ذات مدى قصير مثل الأقواس. يقول الكاتب الأميركي بيتر سوسيو المتخصص في الكتابات العسكرية والسياسية والشؤون الدولية، إنه في الوقت الذي تقدمت فيه التكتيكات والتكنولوجيا، ظهرت أدوار متخصصة متنوعة لسلاحي المشاة والفرسان. وأضاف سوسيو، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، أنه مع ظهور البارود والمدفعية، أصبحت هناك ثلاثة أفرع رئيسة للقوة العسكرية، يقوم كل واحد منها بدور مختلف في الحرب. وظل ذلك التقسيم بدون أي تغيير، حتى تم تطبيق برامج حربية جديدة. وربما يتكون سلاح الفرسان الحديث من عربات مدرعة وخيول بينما يمكن أن تكون المدفعية اليوم قاذفات صواريخ موجهة متحركة. ولكن في القرن الحادي والعشرين، يتشكل مكون جديد لسلاح المشاة يمكن أن يحدث اضطرابا في ميدان المعركة: وهم مشغلو الطائرات المسيرة. ويتم بالفعل استخدام الطائرات المسيرة بجانب الصواريخ لمهاجمة المدن الأوكرانية. وفي الوقت نفسه، استخدم الحوثيون في اليمن، طائرات مسيرة منخفضة التكلفة لاستهداف سفن الشحن التجارية إضافة إلى السفن الحربية للبحرية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن. وكما أظهرت كل من هجمات أوكرانيا الأخيرة بطائرات مسيرة على قواعد جوية روسية في وقت مبكر الشهر الجاري، واستخدام إسرائيل طائرات مسيرة لتدمير منظومات الدفاع الجوي الإيرانية الأسبوع الماضي، فإن منظومات جوية مسيرة صغيرة تواصل أن تكون عناصر معززة للقوة حيث تقوم بدور قوات خاصة وليس كجزء من هجوم جوي منسق. وأصبحت الطائرات المسيرة (إف بي في) التي يتحكم فيها شخص عن بعد، شكلا جديدا لسلاح المشاة في الحرب في أوكرانيا، وتسببت في 80% من الخسائر الروسية في ميدان المعركة، وفقا لتقرير حديث من المجلس الأطلسي. وتسعى كييف لإنتاج حوالي 200 ألف من هذه الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة شهريا، "وتستطيع كل واحدة تدمير دبابات ومعدات عسكرية أخرى تساوي قيمتها ملايين الدولارات". وسوف يزيد ذلك العدد عن إجمالي الطائرات التي أنتجتها أوكرانيا في العام الماضي وبلغت مليون طائرة مسيرة، بينما يمكن أن تنتج كييف أكثر من مليوني طائرة مسيرة العام الجاري. وعلاوة على ذلك، تستخدم القوات الأوكرانية طائرات مسيرة (إف بي في ) وطائرات مسيرة أخرى لإنشاء "منطقة قتل" بعمق تسعة أميال تقريبا. وبدلا من حراستها بواسطة أطقم مشاة صغيرة، تقوم الطائرات المسيرة إف بي بذلك الدور ويمكن أن تنطلق داخل عمق أراض العدو. ويمكن أن يجعل ذلك من الصعب للغاية - بالنسبة لروسيا- حشد قوات لشن عمليات هجومية كبرى. وقال المجلس الأطلسي إنه سوف يتم اختبار خط حائط الطائرات المسيرة الدفاعي الأوكراني إذا أطلقت روسيا هجوما هذا العام، وأن هذا سوف يؤثر على المخططين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن الكيفية التي يمكن بها استخدام مثل هذا الحائط من الطائرات المسيرة لتعزيز "الجناح الشرقي للحلف". وتابع سوسيو أن الكرملين استخلص الكثير من الدروس من حربة على مدار أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا وأن ذلك تضمن الكيفية التي غيرت بها الطائرات المسيرة ديناميكية ميدان القتال. وحتى في الوقت الذي يدرس فيه الناتو الكيفية التي يمكن من خلالها استخدام الطائرات المسيرة كجزء من خط دفاعي، تستكشف روسيا الآن توسيع دور الطائرات المسيرة حتى بشكل أكبر. ووفقا لتقرير من وكالة تاس الروسية الرسمية للأنباء، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتأسيس فرع متخصص في الجيش الروسي سوف يصنع ويستخدم الطائرات المسيرة في القتال. وقال بوتين "إننا حاليا ننشئ قوات خاصة بالطائرات المسيرة كفرع منفصل من الجيش ويتعين تطوير هذه القوات ونشرها في أقرب وقت ممكن"، وذلك بينما اعترف بأن التصدي للطائرات المسيرة قد يتطلب نهجا جديدا وحلولا غير تقليدية. وأضاف الزعيم الروسي "يجب أن يوفر برنامج الدولة الجديد الخاص بالأسلحة نظاما شاملا للدفاع الجوي سوف يعمل في أي موقف ويضرب بفاعلية وسائل الهجوم الجوي، بصرف النظر عن نوعها". ولن تكون روسيا الدولة الوحيدة التي تملك قوة خاصة بالطائرات المسيرة. وفي العام الماضي بدأت الفرقة الثالثة مشاة بالجيش الأميركي تجارب مع أطقم تستخدم طائرات مسيرة وتكتيكات الحرب الإلكترونية. وشاركت الوحدة مؤخرا في تدريبات مع حلفاء في الناتو في مركز الاستعداد المشترك متعدد الجنسيات في ساحة هوهنفيلس للتدريب في ألمانيا. ولكن لم تكن هذه محاولة لإنشاء وحدة جديدة لمهاجمة عدو. وبدلا من ذلك، سعت لتحديد أفضل الطرق بشأن كيفية التصدى لتهديد الطائرات المسيرة. واستخدمت الوحدة جهاز كشف الطائرات المسيرة اينفورس اير 2سي يو أيه إس المزود براديو محدد بالبرمجيات خلال تدريبات الناتو المشتركة ريزلوف 25-02 التي أجريت مؤخرا. وتم تطوير هذه المنصة للدفاع ضد مختلف أنواع الطائرات المسيرة بما في ذلك الطائرات إف بي في كجزء من مبادرة الجيش الأميركي الخاصة "بالتحول في الاتصال". واختتم سوسيو تقريره بالقول إن الطائرات المسيرة تغير ميدان المعركة وأنه بينما تعد الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط حروب الطائرات المسيرة الأولى، فبالتأكيد أنها لن تكون الأخيرة. وأن الطائرات المسيرة لديها الإمكانية لتغيير قواعد اللعبة على نحو أكبر من المدفع الرشاس والدبابة والطائرات مجتمعة.