هي مراكز فكر (think tanks) ليس لأنها توفر مقراً وأجهزة وأدوات، وتستقبل عروضاً بحثية أو تتقدم بعروض لتفوز بمناقصة، ولكن لأنها تجمع عقولاً وتنتج معرفة، وتصدر رؤى وتقدم تصورات لقضايا قائمة وأحداث محتملة، وحلول مرشحة لمعالجة مشكلات.. مراكز الفكر هي الخلفية المتوارية لإنجازات الكيانات العظيمة دولاً أو مؤسسات، وهي مراكز بحثية ذات تصنيف عال، ومشاركات جوهرية في رفع المستوى الحضاري، وترسية قواعد القوة وعناصر النفوذ. إنه الإنسان المفكر، والإنسان الذي استقطبه واستقطب معه غيره من أهل النبوغ الفكري والتميز البحثي، فيتكون مركز فكر؛ لتجتمع العقول وتتحاور وتختلف وتتفق إلى أن تنتج الفكرة تل والفكرة. مراكز الفكر هي في الحقيقة مراكز القوة، ومِزودة صانع القرار، ومحبرة قلم الكاتب الذي يريد أن يتكىء على ركن متين في كتاباته وتحليلاته. حراك وزوابع وعواصف لا تهدأ في مراكز فكر، ولكنها تمنحنا بطاقة عبور إلى مناطق آمنة وهادئة ومستقرة وقابلة للديمومة والرسوخ والتطور. كم نحن بحاجة إلى أن نعطي هذه المراكز حقها، ونقدر لها قيمتها، ونعذر من ينتسب إليها عندما يغيب عن واجهة المجتمع ليصنع واجهة للمجتمع، ويبحث نيابة عنا عن مواطن الخصب. نعذره لأنه دائم الصداع، فهو يأخذ نصيبه من ألم الصداع، ويأخذ معه نصيبنا من مسبباته ومحفزاته... قراءة لا تتوقف، وكتابة لا تهدأ، وأفكار وأفكار وأفكار.. شكراً لكل من أخذ الصداع عنا، واختار أن يكون بين زوابع الفكر لنكون نحن على أرض الاستقرار والازدهار، وشكراً لكل من شارك في دراسة نجني نحن ثمارها دون أن نعرف العقول التي صنعتها أو وقفت خلفها في مبادرة أو تطبيق أو رؤية تماهت مع رؤية المملكة 2030. نحن نتطور من خلال ثلاثية إنسانية؛ قيادة وشعب ونخبة في مراكز فكر، وقبلها توفيق رب العالمين الذي جعل منا شعباً عظيماً يلتف حول قيادة داعمة حكيمة منجزة؛ جعلت من الإنسان خيارها الأول للتقدم، واستندت في كل منجزاتها إلى دراسات رصينة ومنهجية؛ تحلل الواقع وترسم معالم مستقبل، وترسخ ثقافة البحث المعمق الذي يضيء كل جوانب حياتنا، ويشخص لصاحب القرار الحالة، ويتشارك معه ويتحاور من أجل أن يتعاضد التنظير بالتطبيق، فيتحقق النجاح المؤمل، ويستمر مضي مسيرة وطن في طُرق نجاح متعددة في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات. وفي زخم الكلمات والأفكار التي ترتسم في المخيلة ونحن نتحدث عن مطبخ للفكر نتذكر أن هناك مطبخ صحفي ينتج لنا بعد معالجات ومرحل تحريرية مادة تليق بالمتلقي وتسهم في ترسيخ ثقافة المجتمع وقيمه، كما هو حال مراكز الفكر التي تُعد للمجتمعات وللدول وجباتها الفكرية وتصوراتها وتوصياتها الدقيقة. د. عبدالله بن محمد العمري