قبل عدة أعوام، فرضت جامعة بريطانية على طلبة البحث العلمي ضرورة نشر ورقتي عمل في المجلّات العلمية بالإضافة إلى المشاركة في مؤتمر علمي لعرض بعض من نتائج بحوثهم، وذلك كشرط للتأهل إلى الامتحان النهائي واعتماد رسالة الدكتوراة بعدها. وقتها تضجر مجموعة من الطلبة باعتبار أن هذا تصعيب للأمور وهم بالكاد يجدون وقتاً لإنهاء مشاريعهم البحثية. والواقع أن هذا الشرط هو في صالحهم قبل أن يكون ضدهم، ويمكن تفصيل ذلك في النقاط التالية: أولا: ورقة العمل تعتبر نسخة مصغرة ومركزة من البحث الأساسي وتعرض بعض نتائج الدراسة. وليتم قبولها للنشر، تمر هذه الورقة على محكّمين يراجعونها ويقررون صلاحيتها للنشر أو لا مع ذكر ملاحظاتهم. وهذا الأمر يجعل البحث في موضع اختبار وتقييم مبكّر يساعد الباحث على تصحيح الملاحظات وتعديل ما يلزم قبل إنهاء الدراسة الأصلية. ثانيا: عرض شيء من نتائج البحث في المؤتمرات يشجّع على مناقشتها مع الحضور، وهذا يدعم من حجة الباحث للدفاع عن دراسته البحثية، وفي نفس الوقت يعدّ تجهيزًا وتدريبًا فعالا للامتحان النهائي. ثالثا: المؤتمرات تعرض آخر المستجدات في مجال البحث، وأخذ فكرة عن ذلك يثري الخلفية العلمية، وقد يكسب الباحث أفكارا إضافية تدعم من قيمة نتائج بحثه إذا تم تطبيقها. رابعا: لتأكيد مبدأ الحياد، يحضر الامتحان النهائي مُناقِش خارجي من جامعة أخرى، وغالبا يكون يبده قرار النجاح أو الفشل. وفي حال كان لدى الباحث حصيلة من النشر العلمي والمشاركات في المؤتمرات ذات مستوى مرتفع، فهذا يعني أن بحثه قد اجتاز اختبارات وتقييمات من قبل، مما يجعل موقف المناقش الخارجي صعبا وحجته أضعف في حال قرر عدم نجاح البحث العلمي. أخيرا وليس آخرا، مشروع البحث العلمي هو رحلة يمر خلالها الباحث بمراحل عدة، وما النشر العلمي والمشاركة في المؤتمرات إلا محطات مؤثرة في هذه الرحلة، ولا أجمل من الاستمتاع بهذه المحطات واكتساب الخبرات قبل إكمال الرحلة والنجاح بإذن الله تعالى.