ما قامت به المملكة في حج هذا العام هو صورة وطن، وخدمة أمة، ورسالة حضارة، وكل عام يثبت هذا الوطن بقيادته الرشيدة أن خدمة الحجاج ليست مجرد التزام.. بل شرفٌ تُسخّر له دولة، وتهتف له قلوب.. في حضرة الركن الخامس، ومهابة الشعائر، وعظمة الضيوف، تجلّى موسم حج 1446ه كأحد أنصع صفحات الدولة السعودية الحديثة. موسمٌ لم يكن مجرد عبورٍ زمنيّ لشعيرة، بل كان لوحة وطنية ناطقة بالإتقان، والإخلاص، وفن التنظيم وإدارة الحشود، والتكامل بين كافة قطاعات الدولة؛ لوحة أفحمت المغرضين، وأسكتت حملات التشويش. والعالم ينظر بدهشة حلّ في المشاعر هذا العام 1,673,230 حاجًا، جاء 1,506,576 منهم من خارج المملكة، و166,654 من داخلها. لم يكن هذا الرقم مجرد دلالة كمية، بل شهادة ثقة دولية في المملكة. استُقبل الحجاج عبر 1,435,017 رحلة جوية، و66,465 رحلة برية، و5,094 بحرية، في منظومة لوجستية قلّ نظيرها. وكانت زارة الداخلية، درع التنظيم وهيبة الدولة، بقيادةٍ ميدانية صارمة، منعت وزارة الداخلية تسلل أكثر من 250 ألف مخالف إلى المشاعر، وأحبطت 436 حملة حج وهمية، وضبطت 462 ناقلًا مخالفًا، وأصدرت 418 قرارًا إداريًا حازمًا، حماية الحجاج، والنظام، وحرمة الزمان والمكان كانت أولويتها التي لم تتزحزح. أما وزارة الصحة، فكعادتها وقاية تسبق العلاج، وإنجاز يفوق التوقع، حيث قدّمت أكثر من 125,000 خدمة صحية خلال الموسم، منها 68,000 استشارة أولية، وتنويم 5,000 حالة، منها 2,453 في العناية المركزة. كما استقبلت غرف الطوارئ 3,400 حالة، وأُجريت أكثر من 150 عملية قلب مفتوح وقسطرة. والأبرز أن الوزارة نجحت -بفضل الله- ثم بخططها الوقائية في خفض عدد حالات الإجهاد الحراري بنسبة 90 % مقارنة بالعام الماضي، رغم ارتفاع درجات الحرارة، ما يُعد إنجازًا طبيًا غير مسبوق في مثل هذه الظروف. وفرس الرهان وزارة الحج والعمرة، كعادتها الإبداع في إعادة هندسة مسارات التفويج، حيث اختار 64 % من الحجاج التوجّه إلى منى يوم التروية، بينما اتجه 36 % مباشرة إلى عرفات، في توزيع مدروس خفّف الضغط ورفع الكفاءة. ومع التفويج بالحكمة، كانت التقنية بالحنكة؛ حيث استخدمت الوزارة بطاقة "نسك" الذكية لأكثر من 5.5 ملايين عملية إلكترونية، ووجهت عبر الخرائط التفاعلية أكثر من 35,000 حاج. كما نظّمت الوزارة خدمة الإرشاد بلغات عالمية مختلفة، وراقبت أداء المخيمات والمنشآت للتأكد من جودة الخدمات، في أداء مؤسسي فائق لا يعرف الارتجال. وزارة الإعلام، كانت بمنظومتها رواية وطن، فقد أدارت مع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، رواية الحج كما يُدار الحدث السيادي. تصاريح مهنية، وتغطيات دولية، وتيسير دخول عربات البث باستخدام الذكاء الاصطناعي، واستقبال وفود إعلامية من أكثر من 50 دولة.. كل ذلك في إطار رسم صورة ناصعة عن جهود المملكة، وقطع الطريق على كل من يسعى إلى تزوير الحقيقة. وكالعادة حضر صوت الاعتدال من منابر المشاعر الشؤون الإسلامية، فكان في كل ركن، وكل لغة، وكل موقف.. تؤدي وزارة الشؤون الإسلامية دورها في التوعية، وتقديم الرسالة الوسطية للإسلام. خطب موحدة، ومراكز توجيهية، وأدلة ميدانية، وفرق دعوية ناطقة بعدة لغات.. كل ذلك لخدمة الحاج فكريًا وسلوكيًا وروحيًا. كما تجلّت جهود رئاسة شؤون الحرمين الشريفين في توفير بيئة روحانية آمنة ومنظمة. توسعة المطاف، تنظيم صلاة الجمعة، خطب بلغات العالم، وتوزيع ملايين قوارير ماء زمزم والمصاحف، وتوفير أكثر من 10 آلاف موظف وعامل داخل الحرم، كلها كانت شاهدة على هذا الجهد الإيماني العميق، من قدسية المكان إلى عظمة المشهد!. كما قادت الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة تطوير البنية التحتية والنقل والبيئة الرقمية للموسم. مشاريع الطرق والأنفاق والمواقف الذكية، والتكامل مع "شركة كدانة" و"سابتكو" وقطار المشاعر، ساهمت جميعها في تجربة نقل حضارية من الطراز الأول، جسّدت كيف يُدار المكان بإخلاص للزمان والمقام. وأمام كل هذا.. هناك من لا يُعجبه النجاح، ففي زوايا الإعلام المعادي، كانت هناك وجوه تتربص، تبحث في الزحام عن زلة، أو في الأرقام عن ثغرة. لكن المملكة لم تُجادل.. بل قدّمت الحج كأعظم رد. فحين ترى العالم بأسره يُكبّر من عرفات بطمأنينة، ويرمي الجمرات بأمان، ويطوف البيت في انسيابية.. تدرك أن الصوت الأصدق هو الفعل، لا البيان. وما قامت به المملكة في حج هذا العام لا يُقاس بمؤتمر، ولا يُلخص بتصريح أو مقالة هو صورة وطن، وخدمة أمة، ورسالة حضارة. وكل عام، يثبت هذا الوطن أن خدمة الحجاج ليست مجرد التزام.. بل شرفٌ تُسخّر له دولة، وتهتف له قلوب، وتبقى المملكة العربية السعودية، بقيادتها الرشيدة، ماضية في أداء هذا الشرف العظيم، متصدية لكل من تسول له نفسه أن يحاول النيل من جهودها ويقلل من نجاحها القدير.