تشهد بيئة الأعمال اليوم تحولات عميقة أعادت صياغة ملامح الاقتصاد العالمي، حيث أصبحت المنشآت الصغيرة والناشئة ركيزة رئيسية في بناء اقتصادات مرنة ومبتكرة. فقد أثبتت التجارب الدولية أن تمكين هذا القطاع الحيوي لا يُختزل في الدعم المالي التقليدي، بل يتطلب منظومة متكاملة تجمع بين الحلول التمويلية وغير التمويلية، وتوفّر بيئة تحتضن الابتكار، وتمنح رواد الأعمال المساحة لاختبار أفكارهم والتعلم من التحديات. تُظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تمثل أكثر من 99% من إجمالي الشركات، وتوظف حوالي ثلثي العاملين في القطاع الخاص. ووفقًا لتقرير البنك الدولي حول تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ب 40% من الناتج المحلي في الاقتصادات الناشئة. في المملكة العربية السعودية، تكتسب المنشآت الصغيرة والناشئة أولوية وطنية في ظل رؤية 2030، التي جعلت من تمكين هذا القطاع ركيزة لتنويع الاقتصاد وزيادة المحتوى المحلي. وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في أعداد المنشآت الناشئة في المملكة، مما يعكس حيوية السوق واندفاع الشباب الطموح نحو ريادة الأعمال، حيث بلغ عدد المنشآت 1.6 مليون منشأة بنهاية عام 2024، حسب إحصاءات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. يأتي هذا الزخم المتزايد نتيجة للفرص التي تتيحها بيئة الأعمال في المملكة، في القطاعات الواعدة مثل التقنيات المالية، والطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والألعاب الإلكترونية، ما يعزز من فرص التوسع والاستدامة، كما يساهم التحول الرقمي في خفض تكاليف التشغيل وتوسيع الفرص التجارية. وفي هذا الإطار، يلعب بنك التنمية الاجتماعية دورًا حيويًا في تمكين المنشآت الصغيرة والناشئة من خلال تقديم منظومة متكاملة من الخدمات المالية وغير المالية، تضمن جاهزية المنشآت للنمو والاستدامة. وخلال عام 2024، قدم البنك تمويلات تجاوزت 2.6 مليار ريال، لأكثر من 7 آلاف منشأة صغيرة وناشئة في قطاعات متعددة، مما ساهم في خلق أكثر من 140 ألف فرصة وظيفية في السنوات الماضية. ولأننا نؤمن أن النجاح الحقيقي لا يأتي من التمويل وحده عزز البنك جهوده غير المالية عبر مساحات العمل المشتركة جادة30، التي توفر كافة احتياجات رواد الأعمال من حاضنات ومسرعات أعمال وبرامج تدريبية، إلى جانب "مركز دلني للأعمال" الذي يواصل دوره في دعم ريادة الأعمال من خلال خدمات الإرشاد والاستشارات والدعم المساند، مما يعزز استدامة وكفاءة المنشآت، حيث يساهم النهج التكاملي بين التمويل والتدريب في تقليص معدل تعثر المنشآت في السنوات الثلاث الأولى بنسبة تصل إلى 30٪ حسب تقرير (OECD). وانطلاقًا من أهمية تكامل الأدوار بين مختلف القطاعات لتطوير بيئة ريادية محفّزة، أطلقنا عام 2024م مبادرة المسؤولية الاجتماعية تحت شعار "ندرك أثرها"، بهدف إشراك مؤسسات القطاع الخاص وتمكينهم من تحقيق أثر اجتماعي وتنموي ملموس، عبر محافظ تمويلية مستدامة موجهة لدعم ريادة الأعمال. يعد تمكين المنشآت الصغيرة والناشئة استراتيجية وطنية ضرورية لبناء اقتصاد شامل ومستدام، ومسؤولية تشاركية بين الجهات الحكومية، القطاع الخاص، والقطاع غير الربحي. ومن هذا المنطلق، تبقى رؤيتنا واضحة: تقديم منظومة متكاملة من الحلول المالية وغير المالية، تدعم رواد الأعمال في تحويل أفكارهم إلى منشآت ناجحة، تمثل محركات حقيقية للنمو الوطني، وتفعيل دورها في تحقيق رؤية المملكة 2030. *الرئيس التنفيذي - بنك التنمية الاجتماعية