في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، باتت البيانات حجر الأساس في تطوير الخدمات، وتحسين جودة القرارات، ودفع عجلة الابتكار في مختلف القطاعات. ومع هذا التوسع، تظهر حاجة متزايدة إلى كوادر مؤهلة تمتلك القدرات والخبرات اللازمة لإدارة البيانات وتحليلها واستخدامها بفعالية. لكن في كثير من الحالات، نلاحظ وجود فجوة بين الطموحات الرقمية للمؤسسات وبين القدرات الفعلية المتوفرة على أرض الواقع. هذه الفجوة لا تعني بالضرورة وجود تقصير، بل تعكس تحديًا طبيعيًا يواجه معظم الدول والمؤسسات في مراحل التحول الرقمي - تحديًا يتمثل في مواكبة الطلب المتسارع على المهارات المتعلقة بالبيانات. من هنا، تأتي أهمية تبني نهج استباقي في بناء القدرات البشرية في هذا المجال. فالاستثمار في الأدوات والتقنيات مهم بلا شك، لكنه لا يُؤتي ثماره كاملة إلا حين يُرافقه استثمار موازٍ في العنصر البشري. تشير تقارير عالمية إلى أن نسبة كبيرة من مبادرات التحول الرقمي لا تحقق أهدافها بالشكل المطلوب بسبب نقص الكفاءات المتخصصة في البيانات. وهذا يعزز أهمية توفير برامج تدريب وتأهيل مستمرة تضمن استدامة المهارات وتطورها بما يواكب تطورات ومتطلبات السوق والتقنية. لقد بدأت المملكة العربية السعودية وعدد من الدول بتطبيق نماذج ناجحة في هذا المجال، من خلال مواءمة المناهج الأكاديمية مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتوفير بيئات تدريب عملية تُتيح للشباب والشابات اكتساب المهارات التطبيقية. في المملكة، تتوفر فرص واعدة لبناء منظومات قوية تُعزز ثقافة البيانات وتُمكّن المواهب من تحقيق أقصى إمكاناتها. ويُعد ذلك مسارًا استراتيجيًا يعزز من التنافسية الوطنية ويُسهم في بناء اقتصاد معرفي متين. إن تنمية القدرات وتمكين الكفاءات في مجال البيانات ليس مسؤولية جهة واحدة، بل هو جهد جماعي تشارك فيه الجهات التعليمية، والقطاع العام، والخاص، والقطاع غير الربحي وكذلك المجتمع المهني. مع توافر الإرادة، والرؤية، والتعاون، يمكننا أن نحقق نقلات نوعية حقيقية تُعزز مكانتنا في عالم تُشكّله البيانات.