صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    ترمب يتعهد بتمرير العديد من سياساته بعد قرار المحكمة العليا    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    5 شراكات جديدة لدعم مستفيدي إنجاب الشرقية    إحباط محاولة تهريب أكثر من 732 ألف حبة من مادة الإمفيتامين المخدر    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    مكاسب الهلال من بلوغ دور ال16 في كأس العالم للأندية    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    مواعيد مواجهات دور ال16 من كأس العالم للأندية    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    شاموسكا إلى التعاون.. واتفاق بين نيوم وجالتييه    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    الصين تؤكد تفاصيل الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    طقس حار الى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    أخلاقيات متجذرة    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    تحسن أسعار النفط والذهب    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العسل السعودي.. مسار واعد نحو العالمية
نشر في الرياض يوم 22 - 05 - 2025

في مشهد يتنامى فيه الاهتمام العالمي بالمنتجات الطبيعية والغذاء الصحي، تضع المملكة قدميها بثقة على خارطة التميز في إنتاج العسل، مستندة إلى إرث طويل من تربية النحل، وبيئات جغرافية غنية، واستراتيجية وطنية تنظر إلى هذا القطاع بوصفه أحد الموارد الاقتصادية الواعدة. فلم يعد العسل مجرد منتج شعبي تقليدي، بل أصبح اليوم أحد عناصر التنمية الزراعية المستدامة، ومحورًا رئيسًا في جهود تنويع مصادر الدخل الوطني ضمن رؤية السعودية 2030. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لخطة محكمة وضعتها وزارة البيئة والمياه والزراعة لتطوير قطاع تربية النحل وإنتاج العسل، سعت من خلالها إلى تحقيق الريادة الإقليمية والدولية، عبر مبادرات مدروسة تشمل تحسين السلالة المحلية، وزيادة كفاءة الإنتاج، وتطوير أدوات التربية والتسويق، وصولاً إلى خلق فرص العمل وتوطين المهنة. وقد أثمرت هذه الجهود عن نمو واضح في أعداد النحالين المسجلين، الذين تجاوزوا حاجز 20 ألف نحال ونحالة، فيما وصل عدد خلايا النحل في المملكة إلى أكثر من مليوني طائفة، بإنتاج سنوي يزيد عن 5 آلاف طن من العسل. هذا الزخم في الإنتاج ترافق مع دعم حكومي نوعي، تمثل في برنامج التنمية الريفية المستدامة "ريف السعودية"، الذي قدم دعماً مباشراً للقطاع بأكثر من 140 مليون ريال، واستفاد منه أكثر من 10.5 آلاف نحال، إلى جانب دعم 11 مشروعًا متخصصًا بأكثر من 100 مليون ريال في مختلف مناطق المملكة، بهدف تمكين النحالين وتحقيق استدامة للقطاع وتعزيز دوره الاقتصادي.
بيئة مثالية للإنتاج
وتبرز مناطق عسير والباحة كنماذج حية على نجاح التجربة السعودية في تربية النحل، بفضل خصائصها البيئية الفريدة، التي تجعل منها بيئات مثالية لإنتاج العسل عالي الجودة. ففي جبال عسير، تنتج سراة عسير أجود أنواع العسل بفضل مناخها المعتدل وأمطارها المنتظمة وتنوع غطائها النباتي، حيث تشير التقديرات إلى وجود مليوني خلية نحل في المنطقة. أما الباحة، فتنتج أكثر من 800 طن سنويًا من العسل من خلال 125 ألف خلية يديرها نحو 1600 نحال، وتشتهر بإنتاج أنواع متعددة مثل السدر والطلح والمجرى والضرم، إضافة إلى استضافتها السنوية لمهرجان العسل الدولي، الذي يعكس تطور القطاع ويعزز حضور المنتج السعودي في الأسواق المحلية والدولية. وعلى المستوى الخليجي والعربي، تُعد السعودية في طليعة الدول المصدّرة للعسل، بحصة تبلغ 70% من صادرات دول الخليج، و57% من مجمل صادرات الدول العربية، وفق ما أوضحه رئيس جمعية النحالين التعاونية في الباحة أحمد الخازم الغامدي، مشيرًا إلى الجهود الحثيثة التي تقودها الوزارة لتوطين المهنة وتطوير أدواتها ورفع جودة الإنتاج.
فجوة في السوق المحلي
ولا يُغفل الخبراء البعد الاقتصادي لهذا القطاع، إذ يؤكد الخبير الاقتصادي جمال بنون أن قيمة إنتاج العسل السعودي تتجاوز 176 مليون دولار سنوياً، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى فجوة قائمة في السوق المحلي، حيث تستورد المملكة قرابة 25 ألف طن سنويًا من العسل لتغطية الطلب المتنامي، وهو ما يعكس الحاجة الماسة لتعزيز الإنتاج المحلي ورفع الكفاءة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ويرى بنون أن قطاع العسل مرشح لأن يكون أحد أعمدة الاقتصاد الزراعي الحديث في المملكة، خاصة مع ارتفاع معدل استهلاك الفرد السعودي للعسل إلى نحو 320 غراماً سنوياً، وهو ما يعادل ضعف المتوسط العالمي، ويؤكد على أهمية دعم الإنتاج الوطني والاستثمار فيه. ويقول :" إن ما يحدث اليوم في قطاع العسل بالمملكة ليس مجرد توسع في حجم الإنتاج أو ارتفاع في أعداد النحالين، بل هو نموذج حي لتحويل قطاع تقليدي إلى صناعة متقدمة ذات قيمة اقتصادية مضافة، تجمع بين الجذور التراثية والآفاق التنموية الحديثة. وبينما تتجه المملكة بخطى واثقة نحو الاكتفاء الذاتي في إنتاج العسل، فإنها ترسم أيضاً مساراً واعداً نحو العالمية، يجعل من العسل السعودي علامة جودة تُصدّر للعالم، لا مجرد منتج محلي يُستهلك في الداخل.
الوعي خط الدفاع الأول
يؤكد الدكتور إبراهيم العريفي، وهو خبير في علوم الأغذية والمشرف العام على مختبر جودة العسل بالرياض، أن العسل الطبيعي يُعد من أغنى الأغذية الطبيعية بالمركبات النشطة التي تفيد صحة الإنسان. ويشير إلى أن العسل يحتوي على أكثر من 181 مركبًا بين إنزيمات وأحماض أمينية ومعادن وفيتامينات ومضادات أكسدة، ما يجعله أقرب إلى صيدلية متكاملة. ويشرح أن تناول ملعقة عسل على الريق يساهم في تقوية المناعة وتحسين الهضم وتهدئة السعال، كما يدعم صحة القلب ويعمل كمضاد للالتهابات والبكتيريا. ويرى أن العسل الحقيقي لا يحتاج إلى إضافات أو تحسينات، ويحذر من خلطه بالمكسرات أو الأعشاب، لأن ذلك قد يؤدي إلى تخمر الخليط وفقدان خصائصه العلاجية. كما ينبه إلى أن تسخين العسل أو إذابته في ماء مغلي يفقده كثيرًا من فوائده، نظراً لتأثر المركبات الحساسة بالحرارة العالية. ويؤكد الدكتور العريفي أن الكثير من أنواع العسل في السوق غير مطابقة للمواصفات، وأن بعض المنتجات تعتمد على التسويق أكثر من الجودة، ولذلك يشدد على أهمية شراء العسل من مصادر موثوقة وفحصه في مختبرات معتمدة إن أمكن. ويعتبر أن وعي المستهلك هو خط الدفاع الأول في مواجهة الغش التجاري، وينصح بعدم الانجراف وراء الإعلانات المبالغ فيها. العريفي ألّف كتابًا بعنوان "أطلس العسل"، يُعد مرجعًا علميًا يوثق خصائص أنواع العسل المختلفة وفوائدها الصحية ويُبرز التفاوت في الجودة بين المنتج النقي والمغشوش.
تهديد جودة العسل
يحذر المهندس صالح الجربوع، رئيس جمعية النحالين بمنطقة القصيم، من تفشي ظاهرة غش العسل في الأسواق السعودية، ويصفها بأنها من أبرز التحديات التي تهدد استقرار هذا القطاع الحيوي، وتضعف ثقة المستهلكين، بل وتسيء إلى سمعة المنتج الوطني في الداخل والخارج. ويشير إلى أن انتشار هذا النوع من الممارسات يرتبط بعدة عوامل، أبرزها ضعف الوعي لدى شريحة كبيرة من المستهلكين، بالإضافة إلى صعوبة التمييز بين العسل الطبيعي والمغشوش، خاصة في ظل التطور الملحوظ في أساليب الغش وطرق التلاعب التي بات بعض الباعة يتقنونها لدرجة قد تُربك حتى المتخصصين في المجال. ويروي الجربوع تجربة شخصية مر بها، تعكس بدقة حجم التحدي، حيث قام بشراء جالون عسل بسعة 28 كيلوغرامًا مقابل 560 ريالًا، ليتضح لاحقًا أن العسل غير طبيعي، بل وتم بيعه بفاتورة غير ضريبية، في مخالفة صريحة تعكس مدى تفشي الغش وتدني مستوى الرقابة في بعض منافذ البيع. هذه الحادثة، رغم بساطتها، تؤكد أن الغش يمكن أن يطال حتى أهل الخبرة، في ظل غياب أدوات فحص دقيقة في الأسواق، وندرة المختبرات المجهزة للكشف عن الغش بطرق علمية معتمدة. ويضيف الجربوع أن المشكلة لا تقتصر على المستهلكين فقط، بل تمتد إلى المختبرات ذاتها، حيث إن بعض أنواع الغش قد لا تُكتشف بسهولة، حتى من خلال التحاليل المخبرية الأولية. فالعسل المغشوش قد يتطابق مع العسل الطبيعي في خصائص مثل اللون والكثافة ونسبة السكريات، مما يصعب عملية كشف التزوير، إلا أن الفحوص الدقيقة التي تركز على المؤشرات الحيوية، مثل نسبة الإنزيمات والمواد الفعالة، قد تكون وحدها القادرة على رصد التلاعب.
المستهلك الحلقة الأضعف
ويؤكد الجربوع أن هذا الغياب للوضوح والدقة يجعل المستهلك الحلقة الأضعف في معادلة السوق، ويفتح الباب أمام انتشار المنتجات المقلدة. ومن هذا المنطلق، يشدد الجربوع على أهمية تكثيف الرقابة وتطوير الأنظمة التنظيمية والفنية التي تحكم سوق العسل، بدءًا من ضبط جودة المعروض، مرورًا بتشديد إجراءات الفحص، ووصولاً إلى رفع مستوى الوعي العام. ويؤكد أن جزءًا كبيرًا من الحل يكمن في التثقيف، سواء للمستهلك أو النحال، مشيرًا إلى أن العسل المحلي يتمتع بجودة عالية ومواصفات عالمية عندما يُنتج ويُسوق وفق الأطر السليمة. لذا فإن دعم النحالين المحليين لم يعد رفاهية، بل ضرورة وطنية لحماية المنتج من الغش وتحفيز المنافسة الشريفة داخل السوق. ويستعرض الجربوع في هذا السياق الدور الذي تلعبه جمعية النحالين في القصيم، موضحًا أنها تسعى لتكون جزءًا من الحل من خلال إطلاق برامج توعوية موجهة للمستهلكين، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة للنحالين بهدف تطوير مهاراتهم الفنية وتحسين جودة المنتج. كما تعمل الجمعية على التنسيق مع الجهات المختصة لتطوير البيئة التنظيمية والرقابية لأسواق العسل، وتحسين ظروف البيع، وتعزيز حضور المنتج المحلي في مختلف مناطق المملكة.
ويختتم الجربوع بالتأكيد على أن مواجهة ظاهرة غش العسل تتطلب تكاتفاً واسع النطاق بين جميع أطراف المنظومة؛ من الجهات الرقابية المسؤولة عن ضبط الأسواق، إلى المنتجين الذين يتحملون مسؤولية الحفاظ على جودة ما يُقدم للمستهلك، وصولًا إلى المستهلك نفسه، الذي يجب أن يكون أكثر وعياً وحرصاً في اختياراته. فالعسل السعودي ليس مجرد سلعة غذائية، بل منتج يرتبط بتراث المملكة وهويتها الزراعية، ويستحق أن يُحمى من كل ما يسيء إليه أو يُفقده ثقة السوق.
رقابة علمية صارمة
في ظل تصاعد المطالبات المجتمعية والرقابية بضبط جودة العسل المتداول في الأسواق السعودية، اتخذت الهيئة العامة للغذاء والدواء موقفًا حازمًا مدعومًا بالعلم والمنهجية، مؤكدة أن تقييم جودة هذا المنتج الحيوي لا يمكن أن يتم اعتمادًا على الوسائل التقليدية أو التجارب الشخصية، بل يحتاج إلى أدوات فنية وتحاليل مخبرية دقيقة تعتمد على معايير علمية معترف بها دوليًا. هذا التوضيح يأتي في سياق جدل واسع شهدته الفترة الأخيرة حول انتشار العسل المغشوش في السوق المحلي، وسط تضارب في الآراء والمفاهيم المتداولة بين المستهلكين، حول كيفية التمييز بين العسل الطبيعي النقي، والعسل المضاف إليه سكريات أو المصنّع بطرق تفتقر إلى المصداقية.
وفي مواجهة هذا اللبس الذي تتسبب فيه المفاهيم الشعبية المتوارثة، أكدت الهيئة في تصريحات رسمية أن بعض السمات التي يظن البعض أنها تدل على جودة أو فساد العسل، مثل التبلور أو التجمد عند انخفاض درجات الحرارة، لا يمكن اعتبارها مؤشرات موثوقة أو علمية. فالعسل الطبيعي قد يتبلور أو يتغير قوامه بفعل عوامل مناخية أو أساليب التخزين، دون أن يؤثر ذلك سلبًا على سلامته أو قيمته الغذائية. وقد جاء هذا التصريح في محاولة لتفنيد العديد من الشائعات التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتربط بشكل خاطئ بين القوام أو اللون أو درجة اللزوجة وبين مدى نقاء المنتج، وهي معتقدات تتناقلها الألسن ولا تستند إلى أساس علمي موثوق.
ص
تحاليل مخبرية دقيقة
وفيما يتعلق بمسألة الغش، أوضحت الهيئة أن العلامات الفعلية التي تشير إلى تلاعب في تركيبة العسل لا تُكتشف بالعين المجردة، ولا من خلال الاختبارات المنزلية الشائعة مثل استخدام النشا أو الماء الساخن أو الورق، والتي لا تحمل أي قيمة علمية في كشف الغش. وأكدت أن السبيل الوحيد الموثوق لكشف الغش يكمن في التحاليل المخبرية الدقيقة، التي تُظهر التركيب الكيميائي الحقيقي للعسل، وتكشف مؤشرات رئيسية مثل نسب السكريات الأحادية والمركبة، والأنزيمات الطبيعية، والرطوبة، وغيرها من المركبات الدقيقة التي تعكس مدى طبيعية المنتج وجودته. ولضمان ضبط جودة العسل المعروض في الأسواق، تنفذ الهيئة حملات رقابية وتفتيشية على منافذ البيع بشكل دوري، وتقوم بجمع عينات عشوائية من المنتجات المعروضة لتحليلها في مختبرات متخصصة. وتُجرى هذه التحاليل وفقاً للمواصفات السعودية والخليجية والدولية المعتمدة، لضمان عدم وجود مخالفات تؤثر على صحة المستهلك أو تشكل إخلالاً في معايير الجودة. وتشير تقارير الهيئة إلى أن بعض الأنواع المتداولة لا تستوفي تلك الاشتراطات، ما يستوجب سحبها من السوق أو إعادة تصنيفها وفقًا لمستوى مطابقتها، في خطوة تؤكد جدية الهيئة في فرض رقابة صارمة على هذا القطاع. لكن دور الهيئة لا يقتصر على الرقابة الفنية وسحب المنتجات المخالفة، بل يمتد إلى رفع مستوى وعي المجتمع من خلال نشر محتوى تثقيفي وتوعوي عبر منصاتها الرسمية، يشرح للمستهلكين الفروق الدقيقة بين العسل الطبيعي والمغشوش، ويوضح الطرق العلمية لتقييم الجودة. كما تعمل الهيئة على تعزيز الشراكات مع الجهات المهنية، مثل جمعية النحالين السعوديين، لتطوير منظومة إنتاج العسل بدءًا من النحال وحتى نقاط البيع، عبر تحديث المعايير المعتمدة للإنتاج والتخزين والتسويق، بما يضمن جودة المنتج ومطابقته لأفضل الممارسات العالمية.
منظومة دعم متكاملة
وبينما يعاني النحالون المحليون من ضغط المنافسة غير العادلة مع منتجات مستوردة منخفضة الجودة، ترى الهيئة أن الطريق الأمثل لمواجهة هذا التحدي لا يكمن فقط في تقديم الدعم المالي أو الترويجي للنحالين، بل في بناء منظومة متكاملة تشمل رقابة صارمة على السوق، وتوفير مختبرات تحليل معتمدة في مختلف المناطق، وتقديم خدمات فحص سريعة وموثوقة تساعد في تعزيز الثقة بين المنتج والمستهلك. كما تدعو الهيئة إلى تمكين النحالين من الحصول على شهادات جودة معترف بها محليًا ودوليًا، تسهم في رفع تنافسية المنتج السعودي وتحميه من الغش التجاري.
وفي ختام مواقفها، تؤكد الهيئة العامة للغذاء والدواء التزامها الراسخ بحماية المستهلك السعودي من المنتجات المخالفة أو المغشوشة، وتدعو إلى تعزيز الثقافة الغذائية المبنية على الحقائق العلمية، بعيدًا عن الموروثات المتداولة التي قد تكون مضللة. كما تحث الجميع على التحقق من مصادر شراء العسل، ومراجعة المعلومات الموثوقة، إدراكًا لأهمية هذا المنتج الذي يُعد من الكنوز الغذائية والصحية ذات القيمة العالية، وأحد الموارد الاقتصادية التي تراهن عليها المملكة في سياق رؤيتها الطموحة نحو 2030.
تلاشي الثقة الموعودة
يتحدث عبد الله الغملاس عن تجربة وصفها بالغريبة، حدثت معه أثناء محاولته شراء عسل طبيعي من أحد المحال المعروفة. يقول: "كنت أبحث عن عسل نقي لاستخدامه لأغراض صحية، ودخلت متجراً لفتني فيه إعلان كبير على الواجهة يقول: '100 ألف ريال لمن يثبت أن عسلنا مغشوش'. الإعلان كان يوحي بثقة مطلقة في المنتج، وهذا ما جذبني للدخول. تجولت داخل المحل وسألت البائع عن أفضل الأنواع، فاقترح عسل السدر الجبلي والطلح، مؤكداً أنهما من مصادر برية نقية. اخترت عسل السدر وطلبت نصف كيلو. لكن قبل الدفع، أخبرته بأني سآخذ العينة إلى مختبر معتمد للتحليل. وهنا بدأت الغرابة. فجأة تغيّرت ملامح البائع، وبدأ يبرر بشكل غريب أن التحاليل قد لا تكون دقيقة، وأن المختبرات أحياناً تُخطئ، وأن العسل الطبيعي قد يتغير لونه أو طعمه بسبب التخزين. كل هذا فقط لأنني قررت التحقق من نقاوة المنتج! شعرت أن هناك ما يُخفى، وتساءلت: إذا كان العسل فعلاً بهذه الجودة، فلماذا الخوف من التحليل؟ خرجت دون أن أشتري شيئاً، فالثقة التي حاول الإعلان أن يبنيها، هدمها البائع بكلامه المرتبك وسلوكه المتناقض.
اهتزاز ثقة الشراء
تقول منيرة الدايل، وهي سيدة تهتم بشراء المنتجات الطبيعية لاستخدامها في منزلها، إن ثقتها في العسل المتوفر في الأسواق لم تعد كما كانت في السابق. وتضيف: "كنا في الماضي نشتري العسل من محال معينة أو من باعة معروفين في المناطق الريفية، وكان الطعم والجودة واضحين من أول ملعقة. لكن اليوم، أصبحت الأسواق مليئة بأنواع متعددة، وكل علبة تحمل وعوداً بالجودة والنقاء، ومع ذلك لا يمكن الوثوق بكل ما يُقال. وتتابع: "ما يزيد الشك أن بعض المحال تعرض جوائز ضخمة لمن يثبت أن العسل مغشوش، وهذا بحد ذاته يجعلني أتساءل: لماذا هذا الأسلوب المبالغ فيه؟ إذا كنتم واثقين من منتجاتكم، اتركوها تتحدث عن نفسها. وترى الدايل أن المستهلك أصبح بحاجة إلى وعي أكبر ومعرفة بالطرق الصحيحة لاختبار العسل، وتؤكد أنها أصبحت تعتمد على الشراء من مصادر موثوقة ومجربة فقط. وتختم حديثها قائلة: "العسل منتج حساس ومهم للصحة، ولا يجب أن ننجرف خلف الدعاية والإعلانات، بل علينا أن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا.
المهندس صالح الجربوع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.