ربما أثار القرار الذي اتخذته أوبك+ في أبريل الماضي بزيادة الإنتاج بمقدار 135 ألف برميل يوميا استغراب الكثير. ومن ثم زادت الحيرة في تفسير قرار المنظمة برفع الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في شهر مايو وشهرين إضافيين، على الرغم من تراجع الأسعار. والسبب يعود إلى أن رفع الإنتاج يتناقض مع حالة العرض والطلب، والتوقعات التي تشير إلى أن الاقتصاد العالمي مهدد بالركود خلال هذا العام، خاصة بعد الرسوم التي فرضها الرئيس الأمريكي. والركود يعني من ضمن ما يعني انخفاض الطلب على مصادر الطاقة. وفي هذه الحالة، فإن المنطق يفترض أن تقلص أوبك+ الإنتاج لا أن ترفعه. ولكن لا.. فعل ما يبدو، فإن أوبك+ قد تمرست واكتسبت خبرة من التجارب التي مرت بها، خصوصاً عام 2020، وما تلاه. فأوبك، وعلى رأسهم المملكة، مع الدول المتحالفة معها، وأهمهم روسيا، قد أخذت بعين الاعتبار كافة الاحتمالات والمخاطر. وفي المقدمة، الخشية من تفكك ليس فقط تحالف أوبك، وإنما أوبك نفسها. فقد بدأ واضح تذمر العديد من استمرار خفض الإنتاج، بل إن البعض صار يخرق التزاماته. ولا يقتصر المتذمرون على الإماراتوروسيا وكازخستان، وإنما يشمل دول أخرى- وهذا ليس مستغرب. إن أحد الأسباب التي عصفت بأوبك+، وكادت أن تؤدي إلى انهيارها عام 2020، كان الخلاف على حصص الإنتاج. والسبب معروف: فأوبك+، عندما تخفض الإنتاج، فإنها تفسح المجال للدول غير الأعضاء فيها بزيادة إنتاجهم، وأخذ الحصة التي قلصها أعضائها. وأنا ذكرت أكثر من مرة إن أوبك+ لا تستطيع بمفردها أن تنظم الإنتاج في السوق العالمية، وأن هناك حاجة للتنسيق مع بقية الدول المنتجة من خارجها. فسوق الطاقة العالمي ربما يكون في حاجة إلى إنشاء أوبك++. لأن ضبط إيقاع هذه السوق، بمعزل عن الدول الكبرى المنتجة خارج أوبك+، وعلى رأسهم أمريكا، أمر صعب المنال. إن الولاياتالمتحدة من أهم منتجي النفط والغاز في العالم. ولذلك فمن غير الممكن الحصول على سعر عادل لنا ولها من دون التنسيق معها. وعلى أية حال، فإن التنسيق موجود، ولكن لحتى الآن عن طريق الإكراه ومن خلال التهديد والوعيد. وهذا أيضاً شكل من أشكال التنسيق، ولكنه غير مرغوب فيه. فقرار أوبك+ برفع الإنتاج لا بد وأن يكون قد أخذ بعين الاعتبار رغبة ترمب في خفض أسعار الوقود على الأمريكيين، رغم أن هذا مضر لشركات النفط الأمريكية، خصوصاً في الجرف القاري، وكذلك لمنتجي الغاز الصخري، ذو تكلفة الإنتاج العالية. ولكن هذا بالضبط، هو ما ترغب به أوبك+، وهو أحد الأسباب التي حدت بها إلى زيادة الإنتاج لإخراج منافسيها، ذوي التكلفة العالية، من السوق.