حاولت "أوبك" في عام 2001 الموازنة بين رغبتها في الحفاظ على متوسط سعر لبرميل النفط عند 25 دولاراً وحماية حصتها في السوق مع تحقيق تعاون مع كل المنتجين. تعرضت صناعة النفط، وخصوصاً سعر برميل الخام لتطورات سلبية في عام 2001 لا سيما في الربع الأخير، متأثرة بأحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي باتجاه تعميق الركود الاقتصادي الذي يعيشه الاقتصاد الاميركي والاقتصادات العالمية الأخرى منذ مطلع العام. فقد تراجعت اسعار النفط بعد أحداث نيويورك وواشنطن بمعدل الثلث، الأمر الذي يهدد اقتصادات الدول الاعضاء في منظمة "أوبك" بالتراجع، خصوصاً وان الاقتصاد العالمي ما زال مرشحاً لمواجهة فترات اخرى من الركود. وبدأت منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك التعامل مع هذه الأزمة منذ مطلع السنة، وتمكنت من اتخاذ قرارات متتالية عام 2001 بخفض الانتاج بمعدل 3.5 مليون برميل يومياً. لكن أحداث 11 ايلول وانعكاساتها الاقتصادية ودخول الاقتصادات العالمية في ركود عميق، وزيادة الانتاج من قبل بعض الدول المنتجة من خارج "أوبك" جعل من تخفيضات الانتاج غير كافية. فكان لا بد ل"أوبك" ان تبحث عن خفض جديد رابع للانتاج الجاري بعد التراجع الكبير في اسعار النفط. لكن لم يعد بإمكان المنظمة اتخاذ هذا الخفض بالسلاسة المعهودة التي اتخذت فيها القرارات السابقة نظراً لوجود عامل جديد لا تملكه "أوبك" وانما الدول المنتجة الأخرى من خارج المنظمة. فقد رأت "أوبك" بعد التخفيضات الثلاثة التي اتخذتها لانتاجها بمعدل اجمالي يبلغ 3.5 مليون برميل يومياً للحفاظ على أسعار النفط في اطار نطاق سعري التزمت به بين 22 و28 دولاراً للبرميل، انها لم تعد قادرة على تحمل مسؤولية الدفاع عن اسعار النفط ومنعها من الانهيار لوحدها. وكان لا بد من تعاون المنتجين الآخرين لتحقيق هذا الهدف، ما أدى الى قرار المنظمة في 14 تشرين الثاني نوفمبر في فيينا بخفض الانتاج بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً، مقابل خفض الدول المنتجة الرئيسية من خارج "أوبك" لانتاجها بمعدل 500 ألف برميل يومياً ابتداء من أول كانون الثاني يناير 2002. وبذلك اعطت "أوبك" لنفسها وللمنتجين الآخرين فترة 45 يوماً لبلورة تعاون جدي بين كل المنتجين للحفاظ على تماسك اسعار النفط في اطار النطاق السعري الذي حددته. وشهدت الفترة المذكورة اتصالات ومشاورات مكثفة وضغوطات غير مباشرة باتجاه التوصل الى تعاون جماعي بين "أوبك" ومنتجين آخرين لتنفيذي قرار 14 تشرين الثاني بخفض الانتاج بمعدل "1.5 مليون زائد نصف مليون برميل يومياً". واستمر الجدل في هذا الشأن خصوصاً على جبهة الدول المنتجة من خارج "أوبك" لا سيما من قبل روسيا التي ابدت مقاومة أولية في اتجاه رفض التعاون مع "أوبك"، ما لبث ان تحول الى تعاون "مشجع" يفتح الطريق أمام التوصل الى اتفاق بين "أوبك" وغيرها من المنتجين. كما اعرب عدد كبير من الدول الرئيسية المنتجة للنفط من خارج "أوبك" استعداده للتعاون مع المنظمة. وأعلنت المكسيك استعدادها لخفض انتاجها بمعدل 100 ألف برميل يومياً. والنروج بين 100 ألف و200 ألف برميل وسلطنة عُمان 25 ألف برميل يومياً، وانغولا 20 ألف برميل يومياً، الأمر الذي يجعل شرط "أوبك" خفض الانتاج من قبل الدول المنتجة الأخرى بمقدار 500 ألف برميل قريباً، ولكنه لم يتحقق بالكامل حتى الأيام الأخيرة من موعد تنفيذ القرار الذي اتخذته "أوبك". ولذلك بقي الأمر معلقاً حتى موعد عقد المنظمة اجتماعاً طارئاً في 28 كانون الأول ديسمبر الجاري في القاهرة لتقويم الموقف النهائي للدول المنتجة الرئيسية من خارج المنظمة بخفض الانتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً. ويُعتقد ان اجتماع القاهرة سيحسم اتجاه "أوبك" نحو تنفيذ قرارها بخفض الانتاج بعدما ابدت الدول الأخرى تعاوناً "مقبولاً" كشفت عنه تصريحات رسمية من هذه الدول. ولكن "أوبك" تبحث في اجتماع القاهرة مدى جدية التعاون الذي أعلن عنه في عواصم دول غير أعضاء في المنظمة، وفترة هذا التعاون وما اذا كان تعاوناً موقتاً أو دائماً، يستمر لمدة ثلاثة اشهر أو ستة اشهر، بالإضافة الى البحث في وضع السوق النفطية ووضع الاقتصاد العالمي والمخزونات العالمية خلال النصف الأول من عام 2002 لتحديد مستويات الطلب العالمي على النفط خلال هذه الفترة. ولذلك سيكون قرار "أوبك" في نهاية العام حاسماً وخصوصاً بالنسبة لمستويات اسعار النفط ومستقبل التعاون بين المنتجين من "أوبك" وخارجها. ان قرار خفض الانتاج "في حال حدوثه" بمعدل مليوني برميل يومياً سيساعد اسعار النفط على التماسك عند مستويات قريبة من النطاق السعري بين 22 و28 دولاراً للبرميل، وينقذ الاسعار من التدهور الى مستويات 10 الى 12 دولاراً للبرميل، وهي مستويات عرفتها السوق عام 1998 على وجه التحديد. وكانت تلك الاسعار تركت انعكاسات سلبية على اقتصادات دول "أوبك" ومنتجين آخرين، دفع الجميع الى تعاون "مثمر" تمثل في خفض الانتاج بمقدار 3.7 مليون برميل يومياً في عام واحد، ما رفع اسعار النفط الى مستويات عالية وصلت في مراحل محددة من عامي 1999 و2000 الى حدود 30 دولاراً للبرميل. أما الأمر الثاني الذي يحققه تعاون المنتجين من داخل "أوبك" وخارجه واتخاذ قرار "أوبك" في اجتماع القاهرة بخفض الانتاج، فهو التأسيس لتعاون مستقبلي بين كل المنتجين يأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة بالمجموعتين، اذا "صح ان الدول خارج "أوبك" تمثل مجموعة متجانسة وموحدة". فقد حددت "أوبك" في اطار الأزمة الأخيرة موقفها بشكل "واضح وقوي" بأنها غير قادرة لوحدها على الدفاع عن اسعار النفط، فهي لا تملك سوى 35 في المئة من الانتاج العالمي على أحسن حال، فيما تمتلك الدول الأخرى ثلثي الانتاج العالمي. واكدت المنظمة في موقفها المعلن في اجتماع 14 تشرين الثاني نوفمبر في فيينا بخفض الانتاج بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً شرط ان تخفض الدول المنتجة الاخرى 500 ألف برميل يومياً، أنها لن تفرط بحصتها الانتاجية لمصلحة منتجين آخرين ينتجون بكامل طاقاتهم على حساب دول "أوبك". وهكذا، فإن عام 2001 يتميز بولادة موقف في "أوبك" يوازن بين رغبتها الحفاظ على هدف سعري عند 25 دولاراً للبرميل وحماية حصتها في السوق النفطية العالمية، وتحقيق تعاون مع كل المنتجين في اطار الحفاظ على هذين الهدفين. لكن عام 2001 ومن ناحية الاسعار بالذات، شهد تراجعاً في المتوسط السعري، الذي بلغه البرميل وهو 24.5 دولار عام 1999 و27.5 دولار عام 2000، الأمر الذي سينعكس على اقتصادات الدول الاعضاء في "أوبك" وهي تدخل عام 2002 الذي يلفه شبح الركود.