من المقرّر أن يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب المملكة يوم غد (13 مايو 2025) في أول رحلة خارجية رئيسة له خلال ولايته الثانية، والتي تأتي في سياق جيوسياسي مغاير تمامًا لما كان عليه الوضع خلال زيارته الأولى عام 2017، ويُظهر اختيار الرئيس ترمب للرياض كوجهة أولى لزيارته الخارجية تقديرًا يثمّنه السعوديون عاليا، كونه يؤكد على دور الرياض القيادي في تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم، كما أشار النائب الجمهوري جو ويلسون لقناة "العربية"، مشيدًا بدور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتهدف الزيارة، وفقًا لمصادر أميركية، إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الأميركية مع الرياض وحلفائها الخليجيين، حيث يُتوقّع أن تشهد الرحلة عقد قمة مع قادة مجلس التعاون الخليجي في 14 مايو لبحث سبل التعاون المشترك، إلى جانب عرض رؤية ترمب لدور واشنطن في أمن المنطقة، وتستقبل الرياض ترمب وهي أكثر عزمًا على الاستمرار في تطوير قدراتها الذاتية، وأكثر تنوعًا في تحالفاتها، في ضوء رؤيتها لدورها وقدراتها وفي ظل التحوّلات الجذرية في المنطقة والعالم التي أعادت تشكيل العلاقات الدولية وربما المعادلات السياسية في علاقات الدول. هنا قدر المملكة وموقعها في شرق أوسط يُشكّل ملامحه من جديد فلم تعد سورية كما كانت، ولا لبنان أيضا، وسطوة التنظيمات والميليشيات في المنطقة تراجعت بشكل كبير، وهذه العوامل ستساعد ذوي النوايا الطيبة لدفع الاستقرار قدما في منطقة عانت شعوبها من تناقضات السياسات الدولية على مدى عقود. وهنا الرياض التي اختبرت في سنوات معدودات علاقاتها وتحالفاتها على ميزان ضرورات وأولويات اقتصادها وتنمية قدرات شعبها، وتعزيز أمنها الوطني وتوسيع شبكة علاقاتها الدولية. ومن مفاعيل هذه التحولات الكبرى أن ساحة الشرق الأوسط لم تعد فضاء غربيا خالصا فقد برزت قوى جديدة تختبر قدراتها وتوسّع طموحاتها مثل الصين وروسيا، بينما أعادت الأحداث المتسارعة، مثل التفاهم السعودي - الإيراني بوساطة صينية، وتصاعد القضية الفلسطينية بعد أحداث أكتوبر 2023، رسم أولويات المنطقة. وفي هذا المشهد المتغيّر، تظهر الرياض بوزنها كفاعلٍ إقليمي مركزي يتصدّى لقيادة مسار استقرار وتنمية في الشرق الأوسط، معتمدةً على دبلوماسية نشطة ترفض التصعيد والضغوط وتؤكد على الحلول السياسية الدائمة. ولم تأتِ مواقف الرياض صدفة تاريخيّة بل تتويج لمبادئها فقد نجحت في ترسيخ نفسها كوسيطٍ موثوق في النزاعات، وفي الوقت نفسه حافظت على مواقف مبدئية، مثل دعم استقرار سورية ولبنان، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين والدعوة إلى حلّ الدولتين. كما حوّلت القيادة السعودية بلادها إلى ورشة تنموية شاملة، تفتح أبوابها للاستثمارات والشراكات الدولية، في إطار رؤيتها الطموحة لشرق أوسطٍ مزدهر وهي فرصة لترمب وفريقه الاقتصادي للشراكة المثمرة لكل الأطراف. إذن، من المتوقع ألا تكون زيارة ترمب مجرد مناسبة لتعزيز العلاقات الثنائية، بل اختبار لقدرة واشنطن على التكيّف مع معادلات المنطقة الجديدة. فالرياض اليوم تتعامل مع العالم بمنطق المصالح المتبادلة، وتنتظر من حلفائها التكيف مع هذا التحوّل. وفي الوقت الذي تُعيد فيه المنطقة حساب تحالفاتها، فقد تكون هذه الزيارة فرصةً لواشنطن لإطلاق مرحلة جديدة لشراكة أكثر توازنًا، تُبنى على الاستقرار والتنمية وإقصاء السياسات التي لا تجلب سوى المزيد من التعقيدات والصراعات، ومن المؤكد أن ترمب يدرك أن الشرق الأوسط الذي زاره قبل ثماني سنوات لم يعد كما كان. * قال ومضى: عوالم السياسة تنسف علومها.