شهدت الدوائر الحكومية في المملكة، خلال الأعوام الأخيرة، قفزة نوعية في منظومة الاتصال المؤسسي مدفوعة بأهداف رؤية 2030 التي وضعت التواصل الفعّال في صميم تحسين الخدمات وتعزيز الشفافية، فقد انتقلت الجهات من نشر الأخبار التقليدية إلى بناء حوارات رقمية تستجيب للمواطن والمقيم عبر منصات موحَّدة مثل «مركز التواصل الحكومي» و«منصة النفاذ الوطني»، الأمر الذي اختصر زمن الوصول إلى المعلومة ورفع معدّل الرضا. وتُقاس الكفاءة اليوم بثلاثة مؤشرات رئيسة: سرعة الاستجابة، ووضوح الرسالة، واتساع الشمول. ففي تجربة وزارة الصحة أثناء جائحة «كوفيد–19» مثلاً، تحققت استجابة لحظية عبر حسابات رسمية موثوقة، بينما ضمنت المحتويات البصرية والإنفوغراف الرسالة الموحَّدة لجميع الفئات. كما أظهرت حملات وزارة الداخلية للأمن المروري قدرة على تحويل بيانات معقَّدة إلى رسائل سلوكية بسيطة أثمرت انخفاضاً ملموساً في المخالفات. غير أنّ تطوير الكفاءة لا يعتمد على التقنية وحدها؛ فالعقلية المؤسسية عنصر حاسم. لهذا استثمر معهد الإدارة العامة برامج مكثفة لتأهيل موظفي العلاقات والإعلام الحكومي على مهارات تحليل البيانات وصياغة الرسائل المتعددة اللغات، فيما أطلقت وزارة الإعلام مبادرة «الناطق الرسمي» لإرساء معايير مهنية موحَّدة وتعزيز المساءلة. ورغم التقدُّم الملحوظ، ما زالت التحديات قائمة؛ أبرزها تنسيق الرسائل بين الجهات المتداخلة، وسد فجوة البيانات المفتوحة، والتفاعل الفوري مع الشائعات العابرة للمنصات. ويستدعي ذلك دمج أنظمة الرصد الإعلامي بالذكاء الاصطناعي وبناء لوحات قياس أداء تُحدَّث تلقائياً، كي تتوافر صورة لحظية لصانع القرار. ختاماً، أثبتت التجربة السعودية أن كفاءة الاتصال المؤسسي ليست ترفاً إدارياً، بل رافعة تنموية تضمن وصول السياسات إلى مستحقيها وقياس أثرها، ومع تسارع التحول الرقمي، سيغدو معيار النجاح هو القدرة على تقديم رسالة دقيقة، في اللحظة المناسبة، عبر القناة التي يختارها الجمهور، مع الاستعداد الدائم لإدارة الأزمات ببيانات موثوقة ورواية موحَّدة.